سمير خليل
سامي عبد الحميد، رجل في تاريخ وتاريخ في رجل، عقود من السنين وهو ينثر المعرفة والثقافة والفن، اجيال تتلمذت على يديه وتشربت من انسانيته وابداعه، بدأ تلميذا لاساطين الممسرح العراقي ورائده الاول حقي الشبلي وكان شاهدا امينا على تاريخ طويل لمسرح عريق تأرجح توهجا وخفوتا واهمالا، كان رمزا من رموز هذا المسرح وتجاوزت موهبته حدود الوطن فكان ضيفا عزيزا مكرما على المحافل والمهرجانات العربية والعالمية، تميزت اعماله المسرحية كاتبا ومخرجا وممثلا وباحثا واستاذا بالحس العراقي والعربي بحضارته وارثه وفولكلوره، لم يترك بابا للفن الا وطرقه فاجاد في السينما كما اجاد بالمسرح، ارشيفه مزدحم، مطرزبالق فريد، ظل متواصلا وامينا ومحافظا على ارث المسرح العراقي وتقاليده وتشرف هذا المسرح به فنانا واستاذا وباحثا ونقيبا للفنانين ورئيسا للمركز العراقي للمسرح ،تشرف المسرح العربي به عميدا للمسرح العربي، ورغم كبره وطرقه ابواب الشيخوخة الا انه ظل شامخ الروح، باحثا عن الجديد في المسرح، دائب الحركة متكأ على عصاه التي رافقته في سنينه الاخيرة، مهرجان هنا ومحاضرة هناك، مشروع مسرحي يداعب مخيلته، مقالات في المسرح تزين صفحات الجرائد، ظل متمسكا بالعمل والبحث الجاد عما يرتقي بالمسرح العراقي والعربي، كان الراحل من المتفردين بالعمل مع طلابه، لم يكن يشعرهم بسطوة المخرج ودكتاتوريته، كان ينجز اعماله بالمحبة والابتسامة والطمأنينة، هذا ماعشته ولمسته شخصيا وانا اجسد دورا في مسرحية (كلكامش) التي اخرجها الراحل في اكاديمية الفنون الجميلة عام 1977والتي اثارت حينها الكثير من الجدل لانها كانت عملا مسرحيا متفردا رغم عرضها في مسرح صغير داخل الاكاديمية،واعاد عرضها للفرقة القومية للتمثيل ونظرا للاثر والاعجاب الذي خلفته المسرحية آنذاك تقرر ان نفتتح بها المسرح البابلي في الحلة كاول نشاط لهذا المسرح العريق بعد تأهيله وافتتاحه، كان الراحل منتشيا كمن حقق انتصارا كبيرا، يتنقل بخفة بين الكواليس، يحفزنا، يغني معنا اغاني المسرحية التي لحنها الفنان جعفر الخفاف.
وانا اعد موضوعا صحفيا عن شكسبير والمسرح العراقي بتكليف من جريدة الصباح الجديد وخلال تصفح ارشيف مسرحيات شكسبير في العراق التي تلامس الثلاثين عملا وجدت ان استاذنا عبد الحميد له السبق في هذه الاعمال اذ قام باخراج مسرحيات الكاتب الانكليزي الشهير، (تاجر البندقية ) عام 1965 و(هاملت عربيا) عام 1974و(حلم ليلة صيف) عام 1982 و(كليوباترا) عام 1986 و(عطيل في المطبخ) عام 1996 و(طقوس النوم والدم) عن مسرحية ماكبث عام 2000 وله بحث في مسرح شكسبير عنونه (الملامح العربية في مسرح شكسبير) بالاضافة لاطروحته للدكتوراه (العرب في مسرح شكسبير).
تشير سيرته الشخصية الا انه ولد في مدينة السماوة عام 1928، كان يحمل شهادة بالحقوق عندما التحق بمعهد الفنون الجميلة عام 1950 ، لديه دبلوم من الاكاديمية الملكية لفنون الدراما في لندن وماجستير في العلوم المسرحية من جامعة اورغون بالولايات المتحدة الامريكية ونال شهادة الدكتوراه من بغداد وكانت اطروحته لنيل شهادة الدكتوراه بعنوان (العرب في مسرح شكسبير)، استاذ متمرس في العلوم المسرحية في كلية الفنون الجميلة ببغداد، رئيس اتحاد المسرحيين العرب وعضو لجنة المسرح العراقي ورئيس المركز العراقي للمسرح ونقيب سابق للفنانين العراقيين، له عديد المؤلفات التي تخص المسرح منها في فن الإلقاء والتمثيل والإخراج، بالاضافة الى ترجمة 22 كاتبا مسرحية 16 منها مطبوعة والست الاخرى تنتظر الطبع واهمها ترجمة (معجم اكسفورد للمسرح) ب1550 صفحة بالاضافة لكتب (العناصر الأساسية لإخراج المسرحية) للكاتب والمخرج الامريكي الكسندر دين و( تصميم الحركة) للين اوكسنفورد و(المكان الخالي) للكاتب والمخرج البريطاني المعروف بيتر بروك، كما كتب عشرات البحوث من أهمها (الملامح العربية في مسرح شكسبير) و( السبيل لإيجاد مسرح عربي متميز) و (العربية الفصحى والعرض المسرحي) و( صدى الاتجاهات المعاصرة في المسرح العربي) .
كان فارسا للمهرجانات المسرحية المحلية والعربية والاجنبية ممثلا ومخرجا وضيفا عزيزا مكرما ومن اهم هذه المهرجانات :مهرجان قرطاج وربيع المسرح في المغرب ومهرجان المسرح الأردني ومهرجان جامعات الخليج العربي وأيام الشارقة المسرحية وكذلك مهرجان كونفرسانو في إيطاليا،نال الكثير من الجوائز والأوسمة منها : جائزة التتويج من مهرجان قرطاج ووسام الثقافة التونسي من رئيس جمهورية تونس وجائزة الإبداع من وزارة الثقافة العراقية وجائزة أفضل ممثل في مهرجان بغداد للمسرح العربي الأول.
اخرج عددا كبيرا من الاعمال المسرحية منها : (ثورة الزنج) و(ملحمة كلكامش) و (بيت برناردا البا) و(انتيغونا) و(المفتاح) و(في انتظارغودو) و(عطيل في المطبخ) و(هاملت عربيا) و(الزنوج) و(القرد كثيف الشعر).
رافق مسيرة السينما العراقية منذ بواكيرها الاولى وكان بطلا في افلام عراقية هي :
فيلم (من المسؤول؟) عام 1956) إخراج عبد الجبار ولي وفيلم (نبوخذ نصر) عام 1962 إخراج كامل العزاوي وهو أول فيلم عراقي ملون، وفيلم (المنعطف) عام 1975 إخراج جعفر علي وفيلم (الاسوار) عام 1979 و(المسألة الكبرى) عام 1982 و(الفارس والجبل) عام 1987 والافلام الثلاثة للمخرج محمد شكري جميل واخيرا فيلم (كرنتينا) للمخرج عدي رشيد.
كان ممثلا بارزا في مسرحيات (النخلة والجيران) و(بغداد الازل بين الجد والهزل) للمخرج المسرحي الراحل قاسم محمد ومسرحية (الإنسان الطيب) للمخرج المسرحي الراحل عوني كرومي ومسرحيات (انسو هيروسترات) و(قمر من دم) فاضل خليل للمخرج المسرحي الراحل و مسرحية (غربة) اخراج كريم خنجر.