حقب طويلة مرت على العراقيين تعايشوا فيها مع شتى الانظمة السياسية الملكية والجمهورية والتعددية وقبلها طوعوا حياتهم مع سلطات الاحتلالين العثماني والبريطاني وتعامل المؤرخون الذين كتبوا عن تاريخ العراق الحديث والمعاصر مع هذه الفترات التاريخية بعقلانية وهم يصفون ظروف كل مرحلة ومااحاط بها من احداث فيما يتحدث الكثيرون في الاوساط الشعبية عن تاريخ العراق بمزيج من العواطف المتباينة فيمدح حين يحب ويذم حين يكره وهكذا تضج مواقع التواصل الاجتماعي هذه الايام بسرديات ومدونات عن الانقلابات في العراق وتداول السلطة بآراء مختلفة تفتقد في مجملها الموضوعية والتوازن وتنطلق من ازمات وعقد نفسية محكومة احيانا بالانتقام وتتوارى خلف قيم دينية واجتماعية مختلفة تنتمي الى مناطق العراق المختلفة ومايهمنا هو هذا التشتت والفوضى والتعدد في اطلاق التوصيفات على كل الاحداث التي عاشها العراقيون في شتى الانظمة فهناك من يصف التطورات بمنظار السياسي وهناك من يكتب بقلم التاريخ وهناك من يروي بلسان الشاهد وهناك من سخر حديثه في خدمة السلطة وانساق وراء المصالح فتوصيف (الثورة ) نجده عند اخر بتوصيف (التمرد ) وتوصيف (الانتفاضة ) نجده عند اخر (حركة ) وتوصيف الانقلاب الدموي ينعته الانقلابيون ب(الثورة البيضاء) ومقتل الملك ينعته محبوه (استشهاد ) وغيرها من التوصيفات التي تتعامل مع احداث العراق وفي كل هذه المحطات التاريخية افتقر العراقيون الى بوصلة العدالة التي يمكن العودة اليها في التقييم وفي الحكم على الافعال والتصرفات لذا فان كل تداعيات المتغيرات والتطورات السياسية في العراق تأتي عاصفة من دون كوابح وفي الاغلب فان تداول السلطة في البلاد هو التداول الدموي ..عناوينه القتل والاغتيال والغدر والسحل والتنكيل واللعن فيما تتماهي دول اخرى متقدمة مع نظامها السياسي المستقر والثابت الذي تأسس على مبتنيات دستور ناضج وشامل منح الشعوب الامن والامان وحفظ لها الكثير من الحقوق وجنبها الانفعالات وردود الافعال غير المحسوبة وكان العنوان الاسمى في كل تفاصيل احداثها (القانون ) ولربما تم تضمين هذا القانون بورقة واحدة او ورقتين من دون ان يكون لاحد الحق بالمساس بقدسية هذا القانون انطلاقا من ثوابت وطنية ووازع ديني او اجتماعي وعلى الرغم من مغادرة العراقيين الحقب الديكتاتورية الا ان الديمقراطية والتعددية لم تشفع لهم في الوصول الى مساحات العدل مع غياب ثقافة احترام القانون وحلول قوانين مزيفة تنتمي الى الاحزاب والعشائر والفصائل المسلحة وفئات اخرى تمتلك من ادوات الضغط مايفوق سلطة قانون الدولة . ومانشهده من ممارسات وظواهر تطغى فيه عناوين على عناوين اخرى هو نتاج تخلي العراقيين عن قوة وسطوة القانون وقبولهم بتسلط وطغيان عناوين دخيلة على حياتهم وتاريخهم .
د. علي شمخي