علوان السلمان
الشعر..مغامرة فكرية..وجدانية يخوض غمارها منتج متفرد بنظرته ووعيه المكتنز..لتحقيق صور مستفزة للذات والذات الجمعي الاخر من خلال بناء لغوي مشحون يتجلى في قدرة اللغة..العنصر الذي يسهم في التواصل الفكري والقادرعلى امتصاص الوجدان..كونه تعبير عن فلسفة الوجود الانساني وموقف اجتماعي عبر اشارات تفرض حضورها بتفتحها على مضامين انسانية يشغل وجودها الذات والموضوع بوحدة موضوعية حاملة صورا يخلقها الشاعر بوساطة خياله ولغته الشاعرة.. الشفيفة البعيدة عن التقعر والضبابية..والمحققة للانزياح عن المألوف من القول بتقاطعها مع الواقع واحتفائها بالاحالات الاستعارية لتحقيق فعل اجتماعي وتحريك الذاكرة لاستنطاق صوره والكشف عما خلف الفاظه..
وباستحضار المجموعة الشعرية(امنحيني مطر الدفء) وتفكيك عوالمها التي نسجتها انامل منتجها وشاعرها شلال عنوز واسهمت دار ليندا للطباعة والنشر في نشرها وانتشارها/2018..كونها تكشف عن مكنون الذات الرومانسي القائم على الاحساس(بوقع الكلمات من حيث شكلها وصداها لا من حيث المعنى) على حد تعبير سارتر..ابتداء من العنوان النص الموازي والايقونة الدالة على المضامين النصية ..فضلا عن الاهداء(الى التي هطلت غيث نماء على خريف العمر فأورق شجر الحب مدى أخضر)ص3.. اضافة الى تجاوزالمنتج(الشاعر) القوالب الجاهزة بحكم امتلاكه معجما لفظيا متفاعلا والبيئة بنبض جمالي ولغة شفيفة يشكل الوعي احد ركائزها الثابتة وهي تعبر عن مناخ نفسي واجتماعي..
حلمت يوم امس..
أنا وأنت
كنا نسبح في موج زرقة الامل
نقلب تواريخ طواحين ماضية
ونعدد اتجاهات شربتها شراهة المسافات
كنت يمامة ضوء
وكنت اصبعا من بخور
ترتدين اشراق نهارك الذهبي
الحالم برفيف
اجنحة الشوق /ص15
فالنص عند الشاعر يمنح نفسه للتأمل الفكري من اجل الكشف عن هواجسه من جهة والجمالي والفني والروحي من جهة اخرى بتوظيف الالفاظ المتناغمة الشفيفة في خلق صوره الشعرية الحسية والذهنية التي يسجلها عبر مشاهداته والتقاطاته الصورية التي حققت ما يثير الدهشة ويحرك الخزانة الفكرية لمتلقيها من خلال الوعي التجديدي الذي تجسده مغامرته الشعرية التي خلقت نصا يدغدغ الفكر بحفرها في افق الذات المتجاوزه لواقعها صوب عوالم الحداثة الشعرية التي تعتمد وحدة الموضوع مع تماوج الايقاع الداخلي والخارجي وتداخلهما بناءا شكليا..
في متاريس ضجيج النسيان
كنت ابحث عنهم واحدا واحدا
انقب عنهم في جيوب لحاء الذاكرة
كنت ابحث عنهم…..
اجوب مواجع الارض البوار
أضاجع نزق قهقهات المجانين
أعد حيثما يتيه العد
وحيثما يتبعثر الامل
على كفتي الميزان
ويل يومئذ للمطففين
فلا ذرة خير ترتجى
ولا كيل هنالك يا ابناء يعقوب /ص13
فالشاعر يقدم صورة متحركة نابضة بالحياة والانفعال والتفاعل التصاعدي من خلال توظيفه تقنيات فنية في مقدمتها الرمز المزدحم وجوده في ذاكرة الشاعر بدلالته الموروثة المرتكزة في الوجدان والتي اسهمت في تنوع فضاءات الخطاب الشعري عبر مكوناتها المتعددة وتشكيلاتها المتمثلة في الرمز الديني والتاريخي والتي تحقق اهدافا معنوية من خلال التمثيل والمشابهة بالدلالة..فضلا عن انها تسهم في البنية الموضوعية للنص الذي يعتمد الارتداد الزمني باستحضار النص القراني الذي أسهم في تنامي المعنى وتكثيف الصورة الشعرية ..فضلا عن عناق الازمان ..اذ يتعانق الحاضر والماضي من اجل تشكيل نص شعري تشكيلا جماليا..معرفيا..يعتمد القاموس الحياتي بواقعية فيستنبط مفرداته من عمق المشاهد والاحداث التي يكتنز بها هذا الواقع وهي تتمتع بحرارة الكلمة المؤطرة بدفئها..
تعالي..
فما عاد وقت للتمني
ما عادت الروح..
تحتمل اضطهاد الفراق
تعالي…
فهذا الحنين يلتحفني
عاصفة من لقاء
انتظرتك على شرفات عزلتي
نجمة تعزف للعاشقين
ابتهالات السناء /ص116
فالنص يحيل متلقيه الى الشيئية وعوالمها ..اذ تعامله مع الاشياء وانسنتها مع مناجاة نفسية تسهم في توالد الصور حتى نهاية التوتر بلغة شاعرة تفيض بانثيالات روحية تغلف مفرداتها..كون الشاعر يعي الفاظه المضيئة فنيا باستحضار مفردات البيئة وتراكيبها..وهو يصور احداثه تصويرا سرديا يعتمد الحركة والحدث والحوار الداخلي(المونولوجي) عبر صوره الفنية المثقلة بالافكار والمضامين التي تقتضي المنطق والعقلانية التي تفضي الى انسانية هذه المضامين..فضلا عن توظيفه تقنيات فنية كالتنقيط(النص الصامت )الدال على الحذف والذي يستدعي المتلقي لملء فراغاته..وهناك تقنية التكرار التي تشكل دلالة نفسية حيث (يفرغ الشاعر حاجاته ومشاعره المكبوتة ليعيد التوازن الى حالته الطبيعية) على حد تعبير الشاعرة نازك الملائكة..اضافة الى انه نمط صوتي يتصل بالذات الشاعرة ويسهم في تلاحم البناء الشعري وترابطه عبر نغمة موسيقية منتظمة..وهذا يعني ان التكرار عند الشاعر يحقق هدفين اساسيين :اولهما ايقاعي اذ انه يسهم في تطوير ايقاع النص وتعميق طاقته الموسيقية..وثانيهما دلالي..
وبذلك شكلت المجموعة لحظات خصبة امتازت بعمقها الفكري وصياغتهاالفنية .. وبعدها الجمالي ونسجها الموضوعي الذي يكشف عن تشكيل تراثي وقدرة متجاوزة للمألوف..وهي تنبض بوعي العصر ..