-1-
لا نذيع سراً اذا قلنا :
انّ المال يعتبر مجساً للاختبار في مضمار المعرفة الحقيقية للشخصية،
فمع شدة القبضة على المال، وابقائه مخزوناً محبوساً بعيداً عن حقول النفع الانساني والبر الاجتماعي لا يصح أنْنتغنى بأخلاقية هذا (الخازن) للمال …، ولا يصح أيضاً الاطناب في مناقبه ومكارمه ، ذلك انه لو كان كذلك لأنعكس النبل والكرم في سيرته مع البائسين والمستضعفين … مع اننا لم نشهد في سيرته الاّ اليبس والجفاف .
-2-
وشدة التعلق بالصلاة والصيام لا ترقى بالرجل الى مصاف الأبرار الأخيار مالم يكن من أهل الانفاق في سبيل الله،وسبيل الله هو التعبير العملي عن نَفْعِ الناس
ان الاسلام يقول :
” خير الناس مَنْ نَفَعَ الناس “
وهذا لا ينفع الا نفسه
ولا يُعنى بأمر الآخرين من قريب أو بعيد ..
وبهذا يُثبتُ انّه صاحب نزعة ذاتية ، لا يُنظر اليها على الاطلاق بعين الاحترام والتقدير .
-3-
ولقد جاء في سيرة الامام الحسن بن علي (عليهما السلام) –وهو سيد شباب أهل الجنة – انه :
” قاسم الله ماله ثلاث مرات ”
” وخرج من ماله كلّه مرتين “
وأحببنا ان نقف قليلاً عند هذه النقطة
ما معنى قاسَمَ الله مالَهُ ؟
اي انه قسّم ما يملك قسمين فأنفق النصف من ماله في سبيل الله ، وأبقى لنفسه النصف الآخر .
انه بهذا يُريكَ عمقَ ثقتِه بالله تعالى أولاً ، لانه ينفق غير مبالٍ بكل ما قد يأتي به الغد من احتمالات سلبية، والانفاق المبارك في سبيل الله ثانيا يتحرى الاكباد الحرّى ، والبطون الجوعى ، والبيوت التي أرهقها الحرمان وأضنتها الفاقة ..
مضافا الى تنفيس حاجات المكروبين والمأزومين .
ثم انه بهذا الانفاق ثالثاً يُحيي من مات في نفوسهم الأمل .. ويدخل عليهم السرور حين يشبع حاجاتهم ، ويؤهلهم الى نيل رغباتهم
فالمسألة اذن مسألة تفاعل صادق مع آلام المحرومين وهذا هو المؤشر البليغ على عمق الحسن الانساني .
انّ الامام الحسن (ع) غنيٌّ عن مِدْحَةِ المادحين بعد أن نص الكتاب العزيز على عصمته وطهارته
وبعد ان أوجب الله سبحانه مودته على كل المسلمين
ويكفيه فضلاً ومكانة ما قال فيه جدُه المصطفى (ص) :
” أَشْبَهتَ خَلْقي وخُلقي “
فهو نسخة مصغرة من جدّه المصطفى سيد الرسل والانبياء (ص) ..
أعظم شخصية في تاريخ البشرية على الاطلاق، ولكننا هنا نركزّ على ما قام به الامام الحسن (ع) من ترجمة كاملة لاخلاق النبوة
وشمائلها، في إسعاف ذوي الحاجة ، والعناية الفائقة بالمستضعفين والبائسين ، حيث كان دائم التفكير بهم ، ودائم السعي لرفدهم وانعاشهم
انّ حبّنا للامام الحسن (ع) لابد ان ينعكس في المجال الاجتماعي والانساني من خلال الاقتداء به في رعايته للضعفاء والفقراء واشباعه لحاجات المكروبين والمازومين ولا يبقى مجردّ حُبٍّ نظريّ …
ان الملايين من العراقيين اليوم هم تحت خط الفقر ، وهذا ما يجعل مسؤولية كلّ واحد منا عظيمة ازاء هذه الشريحة المهضومة من أيتام،
وأرامل ،
ومهجرين ،
ومعوقين ،
ومطلقات …
الى سائر مَنْ عضهم الدهر وأرهقتم الفقر
حسين الصدر