سمير خليل
يمتاز شهر رمضان بشخص يدعى الدمام، والذي ينادي بالناس لتناول وجبة السحور، يسمى في مصر المسحراتي، ويطلقون عليه اسم النفار في بلاد المغرب، وفي دول الخليج العربي يطلق عليه القرقيعان إضافة إلى تسميات شعبية أخرى.
والدمام صورة لا يكتمل شهر رمضان من دونها ويرتبط ارتباطا وثيقا بتقاليدنا الشّعبية ، فقبل الإمساك بساعتين يبدأ جولته الّليلية في الأحياء الشّعبية مناديا وموقظاً أهاليها على صوت طبلته، وعادة ما يكون النداء مصحوباً ببعض التهليلات أو الأناشيد الدينية، ومع تقدم الزمن وتطور المجتمع والتكنولوجيا والمتغيرات السياسية والاوضاع الأمنية، بدأت هذه الشخصية تغيب، واختفى الدمام من معظم الأحياء، لتظهر في احياء أخرى تأبى نسيان تقاليدها.
في احدى ليال رمضان التقينا مجموعة من الشباب كانوا يحملون طبلا كبيرا ونقارة ويدعون الناس للاستيقاظ وتناول وجبة السحور، تحدثنا الى رئيس المجموعة امير حمزة الشمري الذي قال: نعمل منذ خمس سنوات وتوارثنا المهنة من الشيخ بشير الفتلاوي، وهو المسؤول عنا في منطقة الكسرة، والحمد لله لم تواجهنا اي مشكلة، بل على العكس بنينا علاقة طيبة مع الناس الذين باتوا يسألون عنا ويطلبون حضورنا.
وتابع: نعمل طواعية ولا نتلقى دعما ماديا من اي جهة، والدمامين متوزعون على عدة مناطق في بغداد، فنحن مثلا نجول ثلاثة مناطق سكنية. موجود الدمام ايضا في المحافظات، وحسب علمي فان مدينة النجف الاشرف تكتفي بالنداء من خلال الجوامع عوضا عن الدمام.
ويضيف: نستعمل “الدمام” والنقارة في عملنا فقط، اما الآلات الاخرى التي تدخل في عمل الدمام فهي اجتهادات مثيرة للجدل، فاستعمال البوق ليلا يزعج الناس، ومهمتنا تتعلق بالطقوس التراثية، والغاية ليست اقامة حفل موسيقي.
تذكر المصادر ان مهنة الدمام ظهرت أول مرة في بغداد في زمن الدولة العباسية، اذ ابتكر البغداديون فن الحجازي (القومة) وهو من فنون الأدب الشعبي ومتخصص بالغناء في سحور رمضان. وتشير المصادر التاريخية الى إن بغداد كانت تستعين بشتى الآلات الموسيقية.
وكان لكل زقاق في البلاد مسحر يضرب الطبل لإيقاظ الناس لتناول الطعام والصلاة قبل بدء يوم صوم جديد، حتى ان اصواتهم كانت تتقاطع احيانا لكثرتهم، كما ارتبطت مهنة الدمام بأسماء ظلت تمارسها سنوات طوال مثل الحاج رسول، أشهر دمام في منطقة الكرخ رحمه الله.
يذكر انه خلال تصاعد اعمال العنف سابقا اضطرت السلطات العراقية الى فرض حظر تجوال على معظم المدن، بدءا من منتصف الليل وحتى ساعات الصباح الاولى، غير انها استثنت الدمام من الحظر، ومع ذلك فان هذه العمل التطوعي بات مهددا بالنسيان، ليس بسبب الوضع الامني فحسب، وانما بسبب دخول وسائل تقنية ومفاهيم جديدة جعلت من هذه العمل في عداد التراث ليس الا.
الدمام.. زائر سنوي يعلن حضوره الطبل
التعليقات مغلقة