علوان السلمان
النص السردي..نص( يعالج الحياة التي تبقى سرا..)على حد تعبير فرانك اوكونور..كونه رؤية جمالية بعناصره التي تثير الوجدان وتستفز ذاكرة المستهلك(المتلقي) لاستنطاق ما خلف الفاظه ومشاهده..
وباستحضار النص السردي(أيام الزهللة) الذي انتجته ذهنية اختزنت لحظات واقعها واطرتها ذاكرتها بوحدة موضوعية وتكامل درامي وسرد فني انامل الروائية هدية حسين واسهمت المؤسسة العربية للدراسات والنشر في نشره وانتشاره/ا2015..كونهاتعتمد تيمات متداخلة كتيمة الزمن الذي يمضي تعاقبيا وتراجعيا مع اعطاء الشخصية دورا مركزيا بصفتها مكونا اساسيا من المكونات الفنية وعنصرا فاعلا في تطور الحكي…فضلا عن تناولها زخما من الصور المأساوية من خلال استقراء العواطف الانسانية والانجذاب نحو الآخر ورصد التواصل الوجداني مع سخرية للتخفيف من حدة المأساة وادانة الواقع السياسي والاجتماعي عبر محطات من الحب والخوف مع تلونها وخيالاتها تبعا لمصائر شخوصها المؤثثة لعوالمها السردية برصدها يوميات مدينة بموجوداتها وشخوصها وواقعها المأزوم الذي تشعر فيه الذات الانسانية باغترابها المجتمعي والمكاني المنهار..(عاد زنجار الاعرج للكلام: عشنا عيشة مسخمة منذ خرجنا من بطون امهاتنا من ظلمة الرحم الى ظلمة الحياة ومنها سنمضي الى ظلمة القبر..)ص192..
(وبعد ان استمع شدادـ ضابط مركز المدينة ـ الى مطالبهم خطا بضع خطوات باتجاههم وصاح بصوت وصل مداه الى آخر الصفوق كأنه يلقي خطبة وسمعه من كان بداخل الاكواخ القريبة..
ـ هذا حقكم وستعيشون بكرامة وسأعمل بكل ما استطيع لاقتلاع الفقر..
في هذه اللحظة نهق حمار من وراء سياج زريبة..)ص193..
هذا يعني ان السارده جعلت من المكان(مدينة النور)و مركز الشرطة بضابطه ومفوضه بؤرة السرد المركزية بدءا من الاستهلال الذي عكس يوتوبيا المدينة الهادئة(مدينة النور هادئة هي اصغر من مدينة واكبر من قرية لكن تسمية المدينة غلبت عليها..تقوم على ارض منبسطة جرداء في بعض اجزائها..تركن الى الامان الذي يعمها من الجرائم التي شاعت في المدن والقرى المجاورة لها..)ص5…. ومركز الشرطة الذي شكل وجودا غريبا عليها..(تراجع حيران جبار الى الوراء ليستريح في جلسته ووجه الكلام للجميع بالقول:نحن عين الحكومة هنا..ويجب ان تعلموا ان حكومتنا الموقرة تعمل بشعار(الوقاية خير من العلاج)..أي اننا قبل ان تقع الاحداث الجسيمة كالجرائم مثلا علينا ان نتداركها..صمتوا جميعا ولم ينطقوا بكلمة حتى بعد ان انتهى من كلامه وظل ينظر اليهم بانتظار ان يقولوا شيئا..لكنهم لم يفهموا اي شيء فكلمة الجرائم غريبة على مسامعهم وغير مدروجة في قاموس حياتهم..) ص11..
فالسرد يبدأ بحدث استرجاعي تعريفي يعتمده الراوي السارد ضمن السياق الكلي المرتبط ومرجعية النص..كونه مشتملا على عناصر الخطاب..الذي يجمع ما بين العجائبي الاستثنائي والواقعي..اضافة الى رقيه برمزيته لاستيعاب الواقع المعاصر بمزج سردي يحتضن الشعري والدرامي..والمفارقة الاسلوبية الساخرة التي تحكم ستراتيجية النص بوعي المنتجة التي تحمله الفكرة والحدث والشخوص والزمكانية والعقدة الدرامية..اضافة الى تداخل السرد بالحوار والاتكاء على الحكاية والوصف من اجل التأكيد على واقعية الحدث وعمق التجربة ووعي الذاكرة..
(نظر المفوض اليه نظرات جامدة كما لو انه يبحث في دهاليز رأسه عن اجابة..ثم بعد قليل خرج من جموده ليقول:الكامرات رصدتك لانها كانت موجهة فقط الى الجهة التي جئت منها والى المكان الذي تبولت فيه..أما الجهة الاخرى فهي مغلقة كما تعلم وليس من احد يمر منها..لقد تبولت ومشيت باتجاه الحائط الذي كتبت عليه الشعارات..ثم عدت بالاتجاه الذي جئت منه وهذا دليل على انك كنت تقصد المكان بعينه وليس من احد سواك مر في هذا المكان..ولكونك كنت سكرانا ولا تتذكر فهذا لا يعفيك من المسؤولية..
رد كروان بنبرة الواثق من نفسه. أنا تبولت فقط وأردت المضي الى بيتي ثم انتبهت للطريق المغلق فعدت واذا كانت عيون السلطة رمداء بحيث تستعين بكاميرات مثل ضعيف البصر الذي يستخدم النظارات فهذا ليس من شأني..
قال المفوض بعصبية: هل طلبت مقابلتي لتقول هذا؟ عليك ان تعلم ان موقفك صعب وما لم تعترف فسيخرج الامر من يدي وأرحلك الى العاصمة وهناك لا أحد يعلم ماذا سيكون مصيرك..) ص110 ـ ص111..
فالنص يحاول ان يعالج شكلا من اشكال الاسقاط النفسي مع محاولة اضفاء مسحة من الترميز عليه بتصوير الهواجس الداخلية للشخصية..مع توظيف عنصر الحركة الذي يشكل احد معطيات المستوى الحسي للغة..فضلا عن توظيف الاشياء بطريقة موحية اسهمت في تطوير البناء الدرامي للسرد..اذ توظيف الجزئيات للكشف عن دخيلة الشخصية وتطوير الحدث مع تركيزها على الجوانب المعتمة في الانسان الذي يبرز كوحدة اساسية في عالم السرد..مع ارتكاز على راو عليم يبحث في الاماكن بلغة فنية بعيدة عن الاقتحام عبر شخوص نابضة بالحياة..وحاملة لموقف ورؤية كونية..لذا فالبناء السردي الذي اعتمدته الساردة تميز بالقدرة على تحليل نفسيات الشخوص وتماسك الافكار وترابط النسيج الداخلي للنص…فضلا عن تصوير المشاهد والانتقالات عبر فضاءات متباينة..فحققت وجودا في تصوير الفوضى التي تضرب عمق الانسان في ذاته ووجدانه بفضل تمثيلها البحث عن (الاسطورة الشخصية) على حد تعبير باولو كويلر..
(أين اجد المحامي ياحضرة المختار؟
بدا وجهه متأثرا ومتعاطفا معها..دعاها لشرب الشاي لكي لا يبرد..لكنها لم تشرب حتى تسمع منه ما يريح قلبها المفجوع..طمأنها أخيرا بانه سيفعل ما بوسعه عندما يمضي بعد ايام الى العاصمة لتمشية بعض الامور ومنها طلب بتبليط الشوارع وتخصيص سيارة لرفع النفايات بدل الحرق الذي يقوم به سكان حي التنك وترميم المستوصف الذي يكاد يتهاوى بفعل الرطوبة والقدم..الا انها أصرت على مرافقته حين يذهب الى العاصمة لكي تعود بابنها المسكين..وانها مستعدة ان تدفع له اي مبلغ يطلبه..كاد يصيح بها لكنه تماسك وقال لها:عيب ياأم سعيد هذا شغلي وما عليك سوى الاطمئنان..حينها شعرت بكلماته المطمئنة..عندها فقط مدت يدها لتشرب الشاي..أخذت أول جرعة ثم كمن تذكر شيئا أعادت الاستكان الى الصحن وسألته:
قل لي ياحضرة المختار كيف يحققون مع اخرس؟
فرد عليها المختار:ربما يسألونه ويتركون له اوراقا ليجيب على السؤال..
همت بالوقوف لكنها سرعان ما اعتدلت في جلستها كمن تذكر شيئا آخر وقالت:لكن سعيد لا يعرف القراءة ولا الكتابة..
بدا المختار حائرا ثم قال من دون ان يوضح:لديهم وسائل تجعل الصخر الاصم ينطق ) ص176 ـ 177..)
فالنص تكوين حكائي تتمحور حوله مناطق الاشتغال الجمالي والحدثي بهيكلية معرفية تفضي بالذات المبدعة الى فضاءات اللامرئي ونسجه في هيكليتها البنائية التي تنتمي الى الغرائبية باعتماد عنصر المفارقة الموقظة للتساؤلات..من خلال اعتماد الساردة في تكنيكها السردي على بناء الشخصية ذات الطبيعة المركبة في عمقها النفسي..مع توظيف الرمز كاداة فكرية للتعبير عن قيم غامضة كونه مدلول فني يسهم في تصعيد التكنيك الفني السردي..
وبذلك قدمت الساردة نصا جمعيا للمكان وموجوداته بتعبير جمالي يحاكي الذات الانسانية وتناقضاتها من خلال سرد الاحداث التي تؤسس اسئلة تجر المستهلك لحل طلاسمها والكشف عن المسكوت عنه باستنطاق ما خلف مشاهدها والفاظها المفعمة بالايحاءات والصور والاصوات المتعددة..فضلا عن مواكبة الذاكرة الاولى بشعبيتها وتداخل لغتها بلهجتها في حواراتها فتوظف الاهزوجة(اهلا بيك اهلا بيك//قرية النور تحييك.)ص29..والمثل الشعبي((الوقاية خير من العلاج) ص11..والميثولوجيا المجتمعية(كل ما تذكرته انها فعلت معها الشيء نفسه الذي فعلته مع الشابات الواقف حالهن…تهيء لهن ماء الاستحمام كل خميس في بيتها تنثر فيه زهرات الآس وبضعة اوراق فيها خربشات لا يفهمها حتى الجن تتمتم وتبسمل ثم تقرأ بصوت مسموع(رب اشرح لي صدري ويسر لي امري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي) ص174 ـ ص175.. للاشارة والتدليل على القيمة الاجتماعية والبعد الانساني الذي تمتلكه..ومضمون جريء يكشف عن صدق الاحساس من خلال احتضانها للمواقف الانسانية والفكرية عبر سلوك وحوارات الشخوص النابضة بالحياة والقهر عبر رؤيتها البنائية وتقنيتها التكوينية مع اهتمام بعنصر المفاجأة داخل البناء الحكائي الذي اتسم بالوعي الفكري من خلال موقف واع لمعطيات الزمن السابحة داخل أطر دلالية محققة لنزعتين فنيتين:اولهما: النزعة الواقعية التي يظهر فيها عنصر الحكي متأرجحا ما بين السرد الفني وآلية الحوار بابعادها الاجتماعية..وثانيهما النزعة الرومانسية التي خلقت عوالمها التشويقية بايقاعها الوجداني..