الدستور العراقي، وضع الاطر الخارجية والمبادئ العامة لطبيعة الدولة العراقية، حيث حددت المادة الأولى منه العراق على انه دولة اتحادية واحدة والحكم فيها برلماني( نيابي). ولكن ثمة تفاصيل في طبيعة شكل الدولة، ترك الأمر فيها لقناعات الشارع، فمثلا نص الدستور على انه بالامكان ادارة المحافظات بطريقتين: الأولى: بقاء المحافظات على وضعها الحالي واطلق عليها: محافظات غير منظمة في إقليم. الثانية: اندماج تلك المحافظات في اشكال إدارية جديدة تسمى: الاقاليم. وترك للمواطنين أمر اختيار أي الشكلين، يلبيان طموحاتهم.
ان الغاية من وضع خيارين للناخبين، هو لغرض اختيار الشكل الذي يحقق أكبر قدر من المطالب، ويوفر الأرضية المناسبة للبنى التحتية والخدمات. الدستور العراقي، نص في المادة 119 منح الحق لكل محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه، ويكون التقديم عبر طريقين: الأول هو طلب مقدم من ثلث أعضاء كل مجلس من مجالس المحافظات التي ترغب في تكوين الاقاليم. والثاني: طلب من عشر الناخبين في كل محافظة تروم تشكيل الاقليم.
وقد شرع البرلمان العراقي قانون الاجراءات التنفيذية رقم 13 لسنة 2008 الذي وضع الآليات القانونية التي يمكن من خلالها للمحافظات او المحافظة الواحدة تقديم طلب الى مجلس الوزراء لغرض تكوين الاقليم. نلاحظ ان المادة الأولى من هذا القانون، نصت على ان الاقليم يتكون من محافظة واحدة أو أكثر. وهذا النص يمكن من خلاله ان يتم تشكيل إقليم من عدد غير محدد من المحافظات، في حين يفترض ان يحدد النص الحد الأعلى للإقليم، مثلا ألا يتجاوز الاقليم ثلاث محافظات. وهذا بحد ذاته، يمثل خطرا إداريا وسياسيا على وحدة العراق، من حيث ان طبيعة النخبة الحاكمة في المحافظات، التي لا تختلف من محافظة لأخرى، تستدعي تفعيل الرقابة المركزية على سلطتها في المحافظات، لا ان تمنح صلاحيات أوسع وأخطر من الصلاحيات الممنوحة لها حاليا. ما يهمنا من هذا الحديث هو التيار الشعبي والسياسي في البصرة والذي ينادي هذه الأيام بتشكيل إقليم البصرة ودعوة باقي المحافظات للانضمام اليه. تلك الدعوات، تثير الكثير من الاسئلة، حول مشروعية تلك الدعوات، خصوصا وان اجراءات مجلس محافظة البصرة، لقي دعما من الحشود الجماهيرية التي خرجت قبل أيام تأييدا للإقليم.
فهل ان التأييد الشعبي، يعد قرينة على شرعية طلب مجلس المحافظة؟ لو جئنا الى الجانب القانوني والدستوري، لوجدنا ان الطلب مادام موقعا من ثلث أعضاء المجلس ومقدم الى الجهة المنصوص عليها في القانون وهي مجلس الوزراء الذي يحيل الطلب بدوره الى مفوضية الانتخابات التي تقوم بدورها في إجراء استفتاء ضمن الاقليم المراد إجرائه، لأخذ موافقة الناخبين عليه. ولكن: لو جئنا الى الباعث الدافع للطلب، وهل ان ادارة البصرة عن طريق المحافظة ومجلس المحافظة فشل في تحقيق طموحات البصريين؟ وهل ان السبب يعود الى الشكل الحالي أم يعود الى طريقة الادارة وشخوصها الذين فشلوا في إدارة شؤون المحافظة؟ وهل ان تغيير شكل الحكم في البصرة، مع بقاء الأحزاب الحاكمة ورموزها تحكم البصرة، يحقق الهدف من إنشاء الاقليم؟ أسئلة مهمة كان على البصريين طرحها على أنفسهم قبل ان يؤيدوا إعلان الإقليم ويخرجوا بمسيرات مؤيدة له.
سلام مكي