رئيس المجلس الانتقالي العسكري يفي بوعده المعتصمين..
متابعة ـ الصباح الجديد :
الغى رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان -في أول بيان له عقب توليه رئاسة المجلس- إلغاء قانون الطوارئ وحظر التجوال، فيما قرر إطلاق سراح كل المعتقلين خلال الاحتجاجات على نظام عمر البشير ورموزه.
وكان البرهان الذي شغل منصب المفتش العام للجيش السوداني، عين في وقت متأخر من مساء أمس الأول الجمعة، رئيسا للمجلس العسكري الانتقالي من قبل رئيس المجلس السابق الفريق أول ركن عوض بن عوف الذي تنازل عن رئاسة هذا المجلس بعد 24 ساعة من تشكيله نتيجة الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير، تلبية للمتظاهرين السودانيين الذين اججوا احتجاجات استمرت أربعة اشهر ضد حكمه.
وفرضت الاحتجاجات ذاتها على بن عوف، الاستقالة من رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، لأن المتظاهرين فيها وجدوا في بن عوف امتدادا لسلطة البشير.
ودعا البرهان –في بيانه وهو الثالث للمجلس العسكري منذ تأسيسه- كل أطياف المجتمع السوداني من أحزاب ومجتمع مدني إلى الحوار، مؤكدا التزام المجلس العسكري الانتقالي بفترة انتقالية مدتها عامان كحد أقصى تفضي إلى حكومة مدنية.
كما أعلن عن وقف إطلاق النار في كل مناطق السودان، متعهدا بملاحقة كل المسؤولين عن الفساد ومحاكمة كل من تورط في قتل الأبرياء.
كما تعهد البرهان بالعمل على «إعادة هيكلة مؤسسات الدولة المختلفة وفق القانون»، مشيرا إلى أن مهمة المجلس تتمثل في إنفاذ القانون وتهيئة المناخ السياسي بما يفضي لانتقال السلطة.
وأثنى على شباب الحراك «ووعيهم الثوري» وسلميتهم، داعيا «المواطنين السودانيين للمساعدة في العودة للحياة الطبيعية.. واستكمال شعارات الثورة معا».
وبدد تعيين الفريق أول عبد الفتاح البرهان قائدا للمجلس العسكري، مخاوف الشارع السوداني، وحلت محلها الفرحة، وعلى الرغم من هذا اقترن قبوله بمطالب وجهت للرجل، حملت أحيانا تحذيرات من أن يؤول إلى مصير سلفه الذي لم يكمل 24 ساعة في منصبه.
ومع التدافع الكبير لساحة الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش والاحتفال مع الجنود لدى الإعلان عن تعيينه، تغيّرت صورة «الصدمة والإحباط» التي خيمت بعد إعلان تسلم بن عوف مقاليد الأمور، بيد أن هذه الفرحة لم تخل من ترقب وحذر، كما نقل الصحفي محمد مصطفى على صفحته بفيس بوك.
وكان بن عوف أعلن أمس تنازله عن منصبه واختياره المفتش العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان خلفا له، وذلك غداة الإطاحة بالرئيس عمر البشير.
وفور صدور البيان ناشد تجمع المهنيين السودانيين المعارض «التوجه إلى ساحات الاعتصام أمام القيادة العامة لقوات شعبنا المسلحة ومقار حامياتها ووحداتها المختلفة، والبقاء في سوح (ساحات) الاعتصام طول الليل وعدم مبارحتها»
ويتجلى في البيان الأول للبرهان انه اوفى بما وعد به المعتصمين بعد زيارته لساحة الاعتصام ولقائه عددا من قيادات تجمع المهنيين للوقوف على مطالبهم، ووعده لهم بأن يضم صوته لصوتهم وينفذ أهداف الثورة».
وكان السودانيون قاموا باعتصام ليلي آخر على الرغم من حظر التجوال، واحتفلوا بانتصار جديد. فبعد إطاحة البشير تنحى قائد المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول ركن عوض ابن عوف وعيّن الفريق أول عبد الفتاح برهان عبد الرحمن خلفاً له.
ولم تلق خطوة الفريق أول ابن عوف الذي كان وزير دفاع في ظل حكم البشير، بتشكيل مجلس عسكري انتقالي برئاسته، ارتياحاً في صفوف المحتجين في شوارع الخرطوم الذين يطالبون بأن تكون الحكومة المقبلة مدنية، فهتف متظاهر أمام مقر القيادة العامة للجيش «فعلناها مرة يمكننا إعادة الكرّة» وسط إصرار المحتجين على إسقاط قادة المجلس العسكري بعد إطاحة عمر البشير الذي حكم البلاد على مدى ثلاثين عاما.
وهتف متظاهرون من نساء ورجال يرتدون الزي التقليدي الأبيض «سيسقط آخرون»، مؤكدين مواصلة اعتصامهم لليلة السابعة.
وانطلق المتظاهرون في الشوارع وهم يرددون «مالها… سقطت» و»في يومين سقّطنا رئيسين».
وكانت التظاهرات دخلت شهرها الرابع وشملت مدنا عدة. لكن المحتجّين صعّدوا تحرّكهم قبل أسبوع باعتصامهم أمام مقر القيادة العامة للجيش لمطالبة القوات المسلّحة بالانحياز لهم ضد البشير الذي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحقه في 2009 و2010 لاتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور في غرب السودان.
وكانوا قد احتفلوا الخميس بالبيان التلفزيوني الذي أصدره ابن عوف وأعلن فيه وضع حد لحكم البشير (75 عاما) الذي تولى رئاسة البلاد لثلاثين عاما بعد أن وصل إلى السلطة بانقلاب.
- «حاكم مدني»
لكن ابن عوف أعلن في بيانه الخميس أن المجلس العسكري الذي يترأسه سيدير البلاد خلال فترة انتقالية حدد مدّتها بسنتين.
واعتبر متظاهرون كثر أن الوجوه والأسماء قد تغيّرت لكن النظام لا يزال على حاله.
وقال أحدهم «لا نريد ابن عوف، لا نريد حكومة عسكرية»، مضيفا أن كل اللذين سيتولون إدارة المرحلة الانتقالية «تابعون لنظام البشير». وقال إن الجماهير تريد «حاكما مدنيا».
ومع حلول المساء بدأ تدفق حافلات المتظاهرين باتجاه مقر القيادة العامة للجيش متحدّين حظر التجول المفروض من الساعة العاشرة ليلا وحتى الرابعة فجرا، بحسب ما أفاد شهود عيان قالوا إنهم شاهدوا جنودا يتحادثون مع المحتجين.
وهذا ما أدى على ما يبدو الى قرار بن عوف التخلي عن رئاسة المجلس لعبد الفتاح البرهان الذي يواجه مطالب كثيرة من السودانيين.
بعض هذه المطالب عبر عنها مرتضى محجوب بإقامة مشروع سياسي مدني ودولة مؤسسات وقانون، و»لا تراجع حتى تتحقق مطالب الثورة»، ويؤكد الصحفي خالد عويس أن البيان الأول لعبد الفتاح البرهان هو ما سيحدد الخطوات التالية من قبل الشعب وقواه الحية».
وطالبه محمد إبراهيم ياسين «بكنس آثار التمكين وتطهير المؤسسات من أنصاف الكفاءات ودحرهم من بعثاتنا الدبلوماسية لخلق علاقات مع المجتمع الدولي قائمة على مصلحتنا أولا دون أيديولوجيات وبقلب مفتوح».
قلق الدولة العميقة التي خلفها نظام عمر البشير لأكثر من 30 عاما أيضا كان حاضرا في حديث السودانيين و»إرجاع الأموال المنهوبة» وتحقيق نظام اقتصادي يكفل العيش الكريم لكل السودانيين، والمساواة في الوظائف و»محاكمة كل من أجرم بحق الشعب».
وعلى الرغم من أن معظم التعليقات على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، صبت في الإشادة بتولي البرهان لقيادة المجلس فإنه لم يفت على آخرين توجيه الشكر للفريق عوض بن عوف ونائبـه كمال عبد المعروف، فعلى الرغم مـن أن تنازلكما عن السلطة جاء تحـت ضغط الشارع فإنكما قدمتمـا نموذجا سودانيا خالصا في إدارة الأمور واحترام رأي الأغلبية، فشكرا لكما، فلولا تنازلكما لسالت دمـاء وانفرط العقد.