وقف عالم الدين الشهير امجد الزهاوي (وهو محام) يدافع امام المحكمة في الاربعينيات عن حرية الصحافة في نشر اخبار العمال المضربين قائلا «لا خير في الصحافة إن لم تُرشد ولا خير في الحكومات إنْ لم تسترشد» وسرعان ما نزلت هذه الحكمة منزلة المواثيق التي تحمي الاراء وتشجع على نصيحة الحكام والسياسيين.
على ان تقديم النصيحة الى اصحاب الحل والربط من الخلفاء والسلاطين والوزراء والولاة والقضاة عدت دائما معيارا للحكم الراشد، العادل، عن غيره، بين من يبني قراراته على مشورة راجحة فيتجنب العسف والكوارث، او يتخذها على هواه فيمضي من اخفاق الى اخفاق. .
ونقرأ في كتاب اخبار الحكماء للقفطي طائفة من المعلومات عن انتصاح السلاطين من قبل اصحاب الرأي، ونجد ان للنصيحة اهميتها حين تكون شجاعة وبليغة ولا تخاف او تنخذل.
الحكيم هرمس توجه بنصيحة مكتوبة لاحد حكام زمانه، يقول فيها:
«اول ما اوصيك به تقوى الله وايثار طاعته. ومَن توليه (تختاره للمناصب) في امور الناس فيجب عليه ان يكون ذاكرا ثلاثة أشياء: اولها ان يده (رحمته وعدله) تكون على قوم كثير، والثاني، ان الذين يده عليهم احرار لا عبيد، والثالث، ان سلطانه لا يلبث(غير ابدي). واعلم ان الرعية تسكن(تؤيد) من احسن اليها، وتنفر ممن اساء، والسلطان برعيته (لاقيمة له من غيرها) فاذا نفروا منه كان سلطان نفسه (فقط). ويضيف:
«اكتم السر (لا تشهّر باحد) واستيقظ (تابع) في الامور، وجدّ في الطلب. وإذا هممت فافعلْ. وعليك بحفظ اهل الكيمياء العظمى وهم الفلاحون (الكادحون) فان الجند بهم يكثرون، وبيت الاموال تعمّر، وأكرِم اهل العلم وقدّمهم لئلا تجهل الرعية حقهم. ومن طلب العلم اكرمه ليصفو ذهنه» ويواصل الانتصاح بالقول:
«من وجدته مظلوما فخذ بيده. تعهّد امر المحبوسين في كل شهر تأمن سجن المظلوم. لا تعاجل صغار الذنوب بالعقوبة واجعل بينهم للاعتذار طريقا» ويقول في الختام:
«شاور من علـِمته عاقلا تأمن خلل الانفراد.
وفي كتاب مقاتل الطالبيين خاطب الحكيم بشير الرحال المنصور العباسي بالقول:
«ايها القائل بالامس إنْ ولـّينا (صرنا في الحكم) عدلنا وفعلنا وصنعنا، فقد وُليتَ، فاي عدل أظهرتْ؟ وأي جور أزلتْ؟ وأي مظلوم انصفتْ؟ آه ما اشبه الليلة بالبارحة. إن في صدري حرارة لا يطفيها برد عدل او حر سنان(سيوف)؟.
وخطب المنصور في مناسبة من المناسبات، فقال:
«منذ ان وليّت عليكم رفع الله عنكم الطاعون.
فقام رجل حكيم في المجلي، وقال:
لأن الله اكرم من ان يجمع علينا المنصور والطاعون.
وفي كتاب إحياء علوم الدين للغزالي جاء ان احد السلاطين العادلين سأل رجلا عن شئ، فقال الاخير:
«انت يا أمير المؤمنين خير مني وأعلم.
فغضب السلطان، قائلا:
أني لم آمرك بان تزكيني».
عبدالمنعم الأعسم