كان أبو خضير الذي اقترب عمره من العقد السابع .. “مهووساً” بمتابعة نشرات الأخبار طيلة ساعات الليل والنهار سواء عن طريق “الراديو” أو قراءة الصحف أو مشاهدة التلفزيون… وهذا ما جعله موسوعة خبرية متنقلة.. وإذا ما قارناه اليوم بالكثير من “دكاكين” و”أكشاك” الأخبار التي ظهرت في زمن “الديمقراطية” والانفتاح والفوضى والحريات الصحفية.. ومارست نشاطها تحت غطاء “وكالات” أنباء..أو مواقع أخبارية فإنه سيتفوق عليها حتماً!
يستذكر أبو خضير .. البداية التي جعلته عاشقاً “للراديو” مع أول لقاء جمعه بهذا الجهاز العجيب الذي اشتراه لهم والده من الوكيل المعتمد لماركة ” الكروندك ” في العراق وانطلاق الصوت الجهوري لمذيع نشرة الأخبار منه لأول مرة.
بعد ذلك أصبح “أبو خضير ” وبفضل عشقه وتعلقه بنشرات الأخبار…. مواكباً ومتابعاً جيداً لأحدث ماتتوصل إليه تكنلوجيا صناعة “الراديوات” فكان دائما يحرص على استبدال “مذياعه” القديم بأحدث منه.. وهكذا.. عاصر “الراديو” الكهربائي الذي كان يُطلق عليها “أبو اللمبات” الذي عرفته حقبة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والأخرى التي كانت تعمل بالبطاريات في فترة الثمانينيات والتسعينيات والمسماة “الترانسزتور”… وصولاً الى وقتنا الحالي الذي استعاض فيه “أبو خضير” عن الراديو بـ “الستلايت” والأطباق الفضائية اللاقطة، وعندما كان يجلس في المقهى الشعبي الذي يقع على ضفاف نهر دجلة من جهة الكرخ.. وحتى لا تفوته شاردة أو واردة، فانه بمجرد أن تحين ساعة بث نشرة أخبار الثامنة… ينهض وينطلق مسرعاً باتجاه التلفزيون بعد أن يرمي قطع “الدومينو” التي يلعب بها مع أصدقائه على الطاولة غير أبه بصيحاتهم: “هاي وين أبو خضير تاركنا ورايح تسمع أخبار.. قابل انكَلبت الدنيا..؟” يجلس أبو خضير ملاصقاً لتلفزيون المقهى متسمراً في مكانه.. ينصت جيداً الى الأخبار المحلية والعالمية ولا ينهض من مكانه إلا وهو متأكد من “تايتل” نهايتها.. وعندما كان يعود الى منزله في أيام الصيف.. يصعد الى سطح داره بعد الانتهاء من تناول وجبة العشاء ليحتضن معشوقه “الراديو” الذي يقلب فيه ذات اليمين والشمال ويتنقل بين المحطات المحلية والعربية متوقفاً هنا وهناك بحسب طبيعة الأخبار.. وما زال يتذكر كيف أن زوجته كانت تقول له دائماً : “دخيل الله ودخيلك أبو خضير.. يمعود الجيران نايمين… تره صوت الراديو واصل لسابع جار…عيب يمعود.. شيكَولون علينه !”
وكان يرد عليها: ” يا مره .. متدرين.. آني من أسمع الأخبار.. أنسى نفسي… لازم أعرف شيصير بالعالم ! ” أو كان يجيبها: ” ما أ كدر أنام إلا أعرف الأحداث المحلية والدولية !” فكانت ترد عليه أم خضير: “يا رجال أدري قابل أنت الامين العام للأمم المتحدة لو الجامعة العربية !
في الآونة الأخيرة.. فجأة وبدون سابق إنذار “انقلب” حال أبو خضير من حال الى حال.. فبعد العشق الذي امتد لعقود من الزمن.. قرر أبو خضير.. العاشق للأخبار.. الولهان بها.. تطليقها والتحوّل الى “عاشق” لكرة القدم.. ومتابع جيد لجميع المباريات والدوريات المحلية والعالمية سواء ” الليكَا ” أو “البوند سليكَا ” أو “الكاليتشيو” أو “البريمرليك” أو “كوبا أمريكا ” وصار يقحم نفسه في الحوارات والمناقشات التي تجري عادة بين عشاق الأندية المحلية والخارجية وخاصة بين جمهور “البرشا” و”الريال” أو “اليوفي “و”الميلان” على الرغم من جهله بالساحرة المدورة وعدم ممارسته لعبة كرة القدم أبداً..!
وظل سر هذا التحول التاريخي.. لغزاً حيّر الأصدقاء والجيران والخلان..!
كان أبوخضير يرفض الإفصاح عن “خلفيات” قراره الجريء على الرغم من السؤال الذي كان يكرره عليه يومياً صديقه الفضولي “أبو سعد”، لكن بعد أن وصل الموضوع حداً لا يطاق وهو يستمع الى الاسطوانة المشروخة لـ “ابو سعد” وهو يقول: “يا أبو خضير.. شجابك على الطوبة… وانته متعرف عنها كلشي ولا ضارب طوبة بحياتك ؟ ” فطفح به الكيل وأجابه غاضباً :” متكولي يا أبو سعد.. بيش طالبني .. يعني أنت متعرف ليش أنهزمت من الاخبار ..ورحت للطوبة .. هو بس آني ما عندي خبرة وما أعرف ألعب.. أشو تاركين “الساسة ” يَلعبون بينا لعب ليل ونهار.. ويتعلمون الحجامة بروس اليتامى !
• ضوء
هناك من يمارس كرة القــــدم “بعقله” ، وهناك من يمـارس السياسة “بقدمه”!
عاصم جهاد