حاوره :إلياس الخطابي
ـــــ أهلا وسهلا بالشاب المبدع عاطف معاوية ..بداية شكرا لك على قبول الدعوة. أنت تعرف أنه لا يمكن أن نعرف الآخر أكثر مما هو يعرف نفسه. لذلك مرحبا بك في تعريفك بنفسك للقراء، وبتعريفك أيضا بذلك المبدع الذي تسكنه ويسكنك..من بداياتك الأولى مع القراءة حتى غواية الكتابة .
_ أنا عاطف معاوية طفل بثلاثين سمكة، يتابعُ صيده، يبتسمُ حظهُ للبحر؛ يحب الكتابة.
يحب الذهاب للحياة رغم غموضها ويسعى دائما إلى استقلاليته ليشتغل كما القصيدة بالتحديق عكس أي نظام محدد، وبلا أي إسراف يفسد وظيفة الحياة البسيطة اتجاه ما نعيشه من جمال.
أنا ببساطة طفل، هكذا من دون ثرثرة مفرطة، دائما ما أهرب من هذا السؤال لكنها ضرورة الجواب.
-متى بدأت كتابة الشعر ..ولماذا الشعر وليس القصة، أو السرد كما يفعل الكثيرون حينما يدخلون بحر الكتابة ؟
– الشعر ببساطة كان الجواب على أسئلتي الأولى.
وأيضا كان الوحيد من باستطاعته أن يلبي أو أن يقلل من الغموض الذي يقلقني بكل أشكاله. القصيدة كانت تحقق لي نصف الأجوبة بإيقاعها وأيضا بكثافتها، وللشعر وظيفته الجمالية التي تعلو دائما عن الأجناس الأخرى.
لهذا أول ما حاولت الكتابة كتبت ما هو أشبه بالشعر، كنت أحب النصوص المكثفة التي لا ترهقني، أشبهها بلوحة، قطعة موسيقية.
بدأت كتابة الشعر في مرحلة الإعدادي، كانت فقط خربشات لطفل له قول وإحساس يريد التعبير عنه.
من هنا بدأت علاقتي بالشعر وبانشغال به من خلال قراءته والتحديق في أشكاله المعروفة..
أنا لا أشك أن الشعر هو من اختارني بهذه العبارة الواضحة، ربما كان يرى بداخلي الماء والتراب الصالح لأن تكون القصيدة خاضعة لهذا الطفل.
رغم أنها تغيب عني كثيرا مؤخرا..
-فزت بالكثير من الجوائز ..وعلى حد علمي فاز ديوانك “يد طويلة تخلع الكلام” في مسابقة ماهر نصر. كنت قد قرأت لك تدوينة لك في الفيسبوك أن موت جدتك هو الذي جعلك لا تنشر الديوان، ثم بعد ذلك بالصدفة شاركت في المسابقة وفاز الديوان. لو توضح لنا الأمر كيف حصل بتدقيق أكثر؟
– صحيح. الأمر هو أنني كنت غير راغب في أن أنشر،
لكن الصديق مراد الشمالي؛ كلما التقينا كان متمسكا بفكرة أنه عليّ أن أجمع نصوصي وأن أنشرها في ديوان، فكرت في الأمر لكن السؤال الذي كان ينتابني دائما هو:
هل ما أكتبه يصلح للنشر؟
في الوقت نفسه كانت فكرة النشر تخلق بداخلي قلقاً آخر هو كيف سيحمل هذا الطفل ثقل كلمة الشاعر. مع العلم أنه ليس سهلا أن تكون شاعرا، لأنها مسؤولية كبيرة.
جمعت الديوان لكن وفاة الجدة أحبط فكرة النشر حتى ظهر إعلان مسابقة ماهر نصر للشعر، قلت: أجمل ما يمكن فعله هو أن أكون واضحا مع نصوصي التي نجت من المحرقة، أن أرسل لهم الديوان كي أقيس مدى ما أفعله وما أكتبه. لم أكن متوقعا أن يحصل ديواني على الجائزة الأولى، كما لم أتوقع أن يصل حتى للقائمة الطويلة، لكن القصيدة تقودني إلى أن أكون شاعرا وفي نفس الوقت أن أكون متسامحا مع نفسي في حمل مسؤولية الكتابة بكل حركاتها.
أظن أن الشعر منحني الحياة التي كنت أحلم بها في طفولتي، أن أمنح استقلالا كاملا لنفسي كي أعيش الحياة بكل عنفوانها درجة درجة. الجائزة كانت تجربة جميلة وممتن للشعر من خلالها
كما أشكر دائما من وثق بهذا الطفل.
-أنت حاضر في الفيسبوك. لا يمكن أن نقول بكثافة..لكنك تنشر فيه نصوصك الشعرية، ثم بعض الرسائل التي عنونتها ب”رسائل لا تحتاج لطوابع ولا ساعي بريد”. كيف تفسر حضورك في هذا الموقع، وكيف تنظر إليه ..هل هو بديل للجرائد التي لا تشجع الشباب، ولا تنشر إلا للأسماء المكرسة؟ ولماذا جنس الرسائل بدل القصة مثلا..هل تكتب الرسائل لتحافظ على النفس الشعري، أو على اللياقة إن صح التعبير، أم أنك تكتب للتنفيس فحسب ؟
– الفايسبوك بنسبة لي هو نافذة يتحقق فيها التنوع الابداعي. هناك محاولات وقصائد ونصوص سردية جميلة ربما كنا لن نعثر عليها لولا الفايسبوك.
وأيضاً هناك انعاكسات مثلا: كيف لكاتب أو شاعر أن ينشر في اليوم نصوصا عديدة، هو يسرف في قتل نصوصه وفي قتل ذائقة القراء، في قتل المسؤولية اتجاه النص، لهذا أنا أحاول خلق مسافة مع الفايسبوك كي أقرأ للأصدقاء الذين أحب نصوصهم والذين يكتبون بمسؤولية أن تكون القصيدة رؤية وفلسفة وتاريخا لأصلها الشعري.
لماذا الرسائل..الرسائل تشبه الشعر، فيها من التمرد الكثير. وفيها من الإمكانيات ما يجعلني أن أُدخلَ قصة ما داخلها، كتابة الرسائل إجابة على سؤال واحد، وهو كيفية التأثير في جرأة المغامرة باليومي للكاتب. لهذا وجدت في الرسائل متسعا من المساحة التي تكسر هذا الصمت الإضافي. وأيضا هي مساحة للتدريب على كسر
حدود الكسل في غياب القصيدة.
-صدر لك مؤخرا ديوانا بعنوان “أجراس متوسطية” ..حدثنا عنه قليلا ..متى بدأت الفكرة ثم اختمرت حتى تمت وأنجبت هذا الديوان؟
– أجراس متوسطية، هو المولد الثاني، يضم 18 قصيدة، تحمل البحر بداخلها كإعادة النظر لأهمية هذا المكان/ الكائن في التأثير على علاقتي بهذه القرية من خلال حساسيته ودهشتي في صموده وغنائيته المالحة.
نصوص هذا الديوان متأثرة بالتجارب والمراحل التي وصلت لها، كُتبت بين سنوات 2020 و 2023.
بدأت فكرة هذا ديوان قبل نشره بعام في جمع نصوصه بعد طلب من صاحب دار النشر/ منشورات الخيام، الصديق مصطفى العوزي..
أعترف لك أنني كسول في جمع نصوصي في قالب كتاب.
ــــــــ الجميع يعلم أن النشر معقد، خاصة الشاب الذي يشق طريقه في البدايات. لا يجد دور النشر تنشر له كتبه، ولا من يحتضن نصوصه. كيف كانت رحلتك مع النشر رغم أنها في البدايات ؟
– كما تعلم لدي كتابان، الأول نشر في مصر لحصوله على جائزة والثاني نشر هنا بالمغرب بعد حصوله على دعم وزارة الثقافة، لهذا ليست لي تجربة مباشرة في النشر أو طلب النشر.
السؤال السابع:
كلمة أخيرة ..نصيحة للشباب الذي يكتب ..وأي شيء ..أنت حر في قول كلمتك.
سأنصحهم بما نصحني به قبل سنوات الشاعر الجميل
والمميز محمد السرغيني، أن يقرأوا كثيرا كثيرا وأن يكتبون قليلا قليلا.
إن القراءة حتما ستقودهم للكتابة، ستعرفهم على الاختلاف على مدارس أدبية متنوعة وعلى وراثة اللغة، يقول درويش في إحدى قصائده
“الأرض تورث كاللغة”.
القراءة هي تحديث اللغة بنفس الكاتب وتحديث استعاراته وصوره وأسلوبه..