يوسف عبود جويعد
تُعد رواية (البوابة 13 ) للروائي علاء الوردي، واحدة من السرديات الروائية، التي تدخل في صميم الحياة المعاصرة، كون أحداثها جرت في القرن الحادي والعشرين، ورغم أن البؤرة الرئيسة والمركزية لأحداثها، تقدم حكاية حب ساخنة حدثت بين سيف ونرجس، أثناء سفر سيف من مطار بغداد، الى مشهد في إيران، وعبر البوابة الثالثة عشر، بعد أن نودي الى الطائرة المتوجهة الى مشهد التوجه الى تلك البوابة لركوب الطائرة، يلتقي بنرجس، التي تحمل شبهاً كبيراً من حبيبته سمر زميلته في الدراسة الجامعية التي له معها حكاية حب لم تكتمل بسبب سفرها الى تركيا وزواجها هناك، فتتسرب شحنة العواطف الى قلب سيف الذي أحس بأن نرجس تبادله نفس المشاعر، وتكون الصدفة أجمل عندما تكون مقاعد الأم والابنة نرجس ملاصقة لمقعد سيف.
هذا هو المسار الأول الذي سوف نتابع تطوراته بالتفصيل عبر الحركة السردية للأحداث التي يقودها سيف، وبلغة عاطفية شفافة رقيقة، لكننا سوف نشهد مداخل عديدة لأحداث ترافق هذا المبنى السردي، منها الاحداث التي جرت في البلد خلال تلك الحقبة أهمها تذبذب الحكم والسلطة وعدم استقرارها، وغضب الشارع في البلد، وكذلك سنتابع ايضاً حركة التظاهرات التي شهدتها الساحة، وسنطوف أيضاً برحلة مهمة في معالم مشهد واصفهان، من خلال استخدام الروائي لنمطين من الانماط الادبية وهي الواقعية الرومانسية، التي تتعلق بقصة الحب التي نشأت بين سيف ونرجس، وتطوراتها الساخنة، ثم الانتقال في بعض المواطن من الرواية ننتقل الى ادب الرحلات حيث يقدم لنا سيف بعض المعلومات عن المشاهد الاثرية والمعمارية والدينية، وسلوك وطبائع حياة الناس في تلك المدينتين، وهي توليفة مركبة ساهمت في جعل النص أكثر أهمية، ومنحته شمولية أكبر وأدق، فالروائي لا يريد للقارئ أن يتابع أحداثاً مجردة، بل أرادها أن تنطلق من جذورها ومن واقعية الحياة الصادقة التي نشأت فيها، لتكون راسخة وقوية وصادقة، ويحدث لكل روائي في تجربته الاولى، بعض الهنات والانحراف عن السرد، والانتقال الى المباشرة والتقريرية في أماكن قليلة من مسار السرد، الا انها لم تحدث أي خلل في ايقاع وانسيابية مبنى النص.
وننتقل الى البؤرة الرئيسة وتطورها وهي تلك العلاقة العاطفية التي نشأت بين الطرفين، لنجد أن سيف يحاول التقرب لنرجس بأي ذريعة والحديث معها، ولم يجد وسيلة للاختلاء بها الا محاولته:
(واذا بالأم تطلب كوباً من الشاي، وانا في قرارة نفسي أقول جاءتني الفرصة، قمت بحركة مفاجأة أسقطت فيها كوب الشاي على فخذ الأم… فاعتذرت منها مما اضطرت أن تذهب إلى مغاسل الطائرة فبقيت مع نرجس على انفراد…!)(ص38 )
وهكذا تسنح الفرصة لسيف للحديث مع نرجس واخذ عنوان صفحتها على صفحة التواصل ورقم هاتفها، ويقضي سيف بضعة أيام في مشهد ثم ينتقل الى أصفهان المدينة التي تسكن فيها ترجس، لكي يكون قريباً منها ويحظى بلقائها، بعد أن أحس بنار حبها وصعوبة فراقها، ويتحقق اللقاء وتزداد اواصر الحب بينهما، وينقل لنا الروائي البوادر الاولى لظهور وباء كورونا اللعين، والذي تناقلت الاخبار ظهوره في طهران وقم، واستعداد الناس لوقايته في هذه المدينة، حيث يتغير وجه الحياة فيها وتقل الحركة، وترتدى الكمامات والكفوف من الجميع، ويصاب الناس بحالة من الرعب والقلق، ويشمل ذلك سيف الذي أحس بهذا الخطر يداهمه، كما في بغداد خوف الام والاب والاخ زيد على سيف والاتصال به لأخذ الحيطة والحذر ومحاولة العودة، وبهذا فإن الروائي يسجل أن هذه الرواية نقلت هذا الوباء عند ظهوره كحالة توثيقية له، ويلتقي سيف ونرجس في ظروف مفاجئة لم يحسب لها حساباً، إذ تأتي نرجس مع فرق التعفير والتطهير للفندق الذي يسكن فيه، ويكون لقاؤهما حميمياً ساخناً، وتستمر العلاقة العاطفية وتكبر وسط اجواء موتورة ملبدة مقلقة مخيفة، وبسبب التماس المباشر من قبل نرجس بحكم عملها صيدلانية في احد مستشفيات اصفهان، تظهر عليها بوادر الاصابة بهذا الوباء:
(لقد كنت في مستشفى اصفهان وبحكم عملي كصيدلانية أقدم العلاج والفحص هناك شك بإصابتي)(ص 199 )
وتزداد الاوضاع سوءاً حيث تثبت إصابة نرجس بوباء كورونا، وينتشر الوباء في مدن ايران، وتصبح الحياة داخل البلد مستحيلة وصعبة، فيسرع سيف للحجز والعودة الى بغداد، ورغم أصابتها نرجس تحضر لتودع سيف:
(سيف تعرف اني اكره مراسيم الوداع، لكن تحاملت على نفسي وجئت لوداعك)(ص 208 )
ويعود سيف الى بغداد، ويظل على تواصل مع نرجس التي ساءت حالتها، ويكتشف في بغداد وفاة والده، وانتشار الوباء، وضمور التظاهرات بسبب الوباء، ويعيش سيف نار ولوعة الفراق ومتابعة اخبار نرجس، ومواصلة الحياة تحت انتشار الوباء، ويصل اتصال من نرجس بصوت متعب:
(- أنها الأمل البعيد لي في الزمن المتبقي…؟؟؟ واذا بالصوت ينقطع وانا أقول نرجس نرجس تكلمي أرجوك….)
وهكذا يقدم لنا الروائي علاء الوردي، تفاصيل لأحداث دارت في العصر الحديث، برؤية فنية ناجحة.