يتناول كتاب “الديمقراطية في أميركا” للباحث والخبير شبلي ملّاط، ظاهرة مهمة للغاية على الصعيد العلمي وعلى الصعيد السياسي، ألا وهي تشريح العملية الديمقراطية، وتشريح النظام الديمقراطي، ولعل أفضل طريقة لإنجاز هذا الهدف المهم في عالمنا وفي بلدنا الباحث بلهفة عن انموذجه الديمقراطي أنه يرتكز على دراسة حالة عيانية مهمة وهي حالة الديمقراطية في الولايات المتحدة.ومن القضايا المهمة في هذا الكتاب ارتكازه الى واحدة من أهم المرجعيات في الدراسات الديمقراطية أليكسس دي توتكيفل الذي يعدّ أهم المراجع المتاحة لدراسة هذه التجربة.
وكذلك تكمن أهمية الكتاب في أنه يشير الى التحولات الجديدة في العالم الراهن وهي تحولات لابد من وضعها في إطارها التاريخي والإنساني.وهو أيضا يرسم الطريق لمجتمع بلا عنف، ومجتمع يرتكز على التعاون والتفاهم الإقليمي المرتكز على نشر قيم المساواة، ومحاربة الفقر، ونبذ الاستغلال الاقتصادي للشعوب.
كما أنه يتيح للقارئ إدراك إمكانية خلق نظام عالمي واسع من دون أوهام التسلط الإمبريالي أو الدكتاتوريات الأيديلوجية، ويعلي بشكل كبير دور العدالة والقضاء في تنظيم التوازن الاجتماعي وتعزيز القيم الحضارية والانتصار للعدل والحياة.
تنشر “الصباح الجديد” حلقات من هذا الكتاب كإسهام في تعميق الجدل والمعرفة وتوسيع دائرة العلم بالمناهج والمراجع الضرورية للعملية الديمقراطية بنحو عام وفي العراق بنحو خاص.
الحلقة 17
شبلي ملّاط:
14 – نظرة مختلفة لدور الجيش في المجتمع
من المواضيع التي تكرر ذكرها في هذه الدراسة التلازم المتنامي بين قضايا الداخلية والخارجية والعالمية . ومنذ تجارب جنوب شرق اسيا صار الفاصل بين ( استعمال القوه ) ( حفظ السلام عنوان ضياع الفاصل بين الحرب والسلب ) فيما تحولت عمليات تعد منفردة الى اهوال تتخطى احيانا تلك التي تحدثها حرب جرارة على نمط تقليدي . فقد ادت الحرب ضد الولايات المتحدة في بيروت عام 1998 الى عمليات تفجير حصدت حرب ضروس في كوسوفو دامت حوالي ثلاثة اشهر وقد ترسخ نمط السلب والحرب منذ انهيار جدار الحرب الباردة . فقد قضى من المواطنين الاميركيين في انفجار اوكلاهوما ستي في سنة 1995 عدد اكبر من مجموع الارواح الأميركية التي حصدها القتال ضد الجيش العراقي خلال حرب الخليج من اب 1990الى نيسان1991 ومن اوكلاهوما ستي ضد مركز التجارة العالمية في مدينه نيويورك في شباط 1993 فقد انعزال الولايات المتحدة القاري شيء من مناعته التاريخية ، وضاق هامش التحرك الفريد الذي تتحلى به اكثر الدول جبروتا بالنظام العالمي بفضل وضعه الجغرافي والقاري الخاص ، فتغيرت طبيعة الحرب وتحولت طيفا مستحدث التعقيدات لايزال مجهول المعالم .
يحتاج مثل هذا التغيير العميق الى مفكره حديث من الطراز كلوز فيز للإلمام بابعاده.
وحتى بروز فكر بهذا المستوى لابد للغموض في تحديد الفاصل بين الامن الداخلي والدولي ان يستمر مهيمنا على النقاش حول سياسة الدفاع الأميركية وهوه نقاش يمكن مقارنته بشكل اولي عن طريق ركيزتيه الاساسيتين في العقد المنصرم : كواليم باول ومادلين اوبرايت وتختصر عقيده باول من جملة وجيزة وهيه عدم السماح باي تدخل عسكري خارج الولايات المتحدة اذا هدد هذا التدخل بهذا البقاء مفتوحا فاما لايكون تدخل او يكون التدخل او ان يكون التدخل ضخما مركزا وقاضيا بحيث يبدو الانتصار في خوضه وشيكا اكيدا وساطعا وتمثل حرب الخليج الثانية التجسيد المثالي لهذه المدرسة .
المشكلة ان هذه العقيدة لا ترتفع الى مستوى المناسب لدرجة التعقيد التي بلغتها معادلته الحرب والسلم في نهاية القرن العشرين . فايا يكن الحكم في مسببات حرف الخليج ، اذا اخذناها على سبيل المثال فان القصف الجوي كان مستمرا ضد العراق بالطائرات الأميركية والبريطانية بعد عشر سنوات من العان رئيس مجلس الامن النهاية الرسمية للحرب في نيسان 1991 ، بعدما عمت في حينها احتفالات الانتصار مجمل المدن الأميركية مقابل التقصير في عقيده باول ظهرت نظرية تعزا في بعضها الى مارلين اوبرايت ، وان لم تكن وزيرة الخارجية الأميركية قد طورتها بشكل مقنع . فاهم ما جاء في هذه العقيدة اقتصر على بعض الملاحظات التي انتقدت فيها كولن عندما كانت البرايت لاتزال تعمل في بلادها الأمم المتحدة.
وعقيده اولبرايت ، ليست متكامل وقد يكون مناسبا ترتيب مقوماتها من خلال اقتراحات تتيح للحكومة الاميركية ان تبلور مفاهيمها ومنابع هنا بعضها في شق عسكري تنظيفي ، كلاسيكي فيما نترك موضوع اسلحه الدمار الشامل بسبب منطقة الاستراتيجي الخاص لمعالجه لاحقه . لانها تبقى خارج معادله التدخل العسكري وعمليات حفض السلام على العموم والنظام العسكري الكلاسيكي يقتدي بتقديم عدد من الافكار التي ترتبط بها العقيدة الجدية قبل النظر في مقومات التدخل العسكري الامريكي خارج حدود الولايات المتحدة :
الفكرة الاولى تتطرق الى دور الأجهزة الأمنية وضرورة اخضاعها لوزارتي الدفاع والخارجية ليس المكان كافيا هنا لمناقشه دور المخابرات ، وهي المعروفة بعنوان الذكاء في ترجمة حرفية لعبارة الإنكليزية . فتوطين الذكاء بهذه الأجهزة مهمة تفتقر الى موضوع من اوليات ما بعد الحرب الباردة انت تبتعد هذه الأجهزة على اختلافها وانواعها من وكاله الاستخبارات الاميركية الى وكاله الامن القومي وهي غير المجلس القوي الى جهاز التنصت السري المرقب بالسلم .
وغيرها من المؤسسات التي لا تتصف بالشفافية والعلنية التي يجدر تقليص دورها في السياسة الخارجية الاميركية . والى كانت اداره كلنتون قد اظهرت بعض التقدم في هذا المجال بافصاحها لمدة قصيرة عن ميزانية وكالة الاستخبارات المركزية ، الا انها عادت بسرعة على تمكنها السابق وتطبيق دعوة الرئيس ويلسون الى نبذ الاتفاقيات السرية اصبح ملحا من الناحيتين المبدئية والعلمية في مايخص الولايات الذكية فمن الناحية العملية ان اي قارئ متمعن في المصادر المنشودة علنا على نسق نعوم شومسكي اكسبيل للمثال ، كاشف لامحال لاكثر العمليات سرية كتمان . اما من الناحية المبدئية فلا حاجه اطلاقا لعمليات محاطة بالسرية على نسق الكونرا وايران كيت وكلها ترتد على منظميها وتقوض السياسة الدولة المرسومة لضاربها معها .
فالمقترح الاول اذا هوه اعاده النظر بأجهزة الذكار الاستخبارية وجعلها خاضعة للمسؤولية العلنية مثلها مثل اي عمليه لوزارة الدفاع الاميركية . فمن مبادئ الأساسية في الديمقراطية الاميركية اخضاع العسكر للمدنيين وليس العكس ، ولا تتمتع اجهزه الاستخبارات بميزه تجعلها اكثر سرية او اقل مسؤولية من تلك التي تتعلق بالرجال والنساء الذين يضعون حياتهم في خطر في العمليات العسكرية العلنية .
وفي زمن لا يختلف فيه احد حول التفوق العسكري العالمي للولايات المتحدة تلقي هذه الحاجه الى مؤازرة في المسؤولية الضوء على دور الجيش في سائر المجتمعات لاسيما في بلاد التي صارت فيها انقلابات عسكرية فيها مزمنة واهمها إندونيسيا وباكستان ونايجريه ، فيأخذ ضباط عسكريون مغمورون على عاتقهم تصويب ما يرونه تقصيرا من قبل السياسيين المدنيين . فبعض النظر عن تصير الحكومة المدنية وقد يكون التقصير حقيقه ام لا – فان نجاح السياسة الاميركية الخارجية مرهون بحفضها ، اتجاه الدول الخارجية ، المسافة نفسها من التدخل العسكري في الشؤن المدنية التي تتبعها الحكومة الاميركية داخل الولايات المتحدة . ففي دول مثل باكستان وإندونيسيا ودول الجهة الشرقية سابقا بما فيها روسيا بات عنوان عدم التدخل للعسكر في الشأن المدني امرا حيويا للاستقرار في المجتمع . فدور الجيش يختصر على حمايه الحدود وليس دوره ابداء تصنيع وفاق اجتماع قصري او اخضاع المجتمع الى مايراه هوه مناسب له .
هذا المبدأ سهل التأكيد صعب التطبيق ، وان كان التطبيق المرجو خاضعا بطبيعته لمبدأ التدرج . وللمزين من التفاصيل قد تكون بعض النسب والارقام مفيدة منها دراسة اعدها معهد بروكنلس في واشنطن وانتهت الى ان اصلاحات العقد الماضي قد ابقت على فعالية الجيش الامريكي وهيه معروفه بالجهوزية القتالية ، بالرغم من كون العسكر الامريكي انخفض حجمه بنسبه الثلث وقلت كلفته بالنسبة ذاتها عما كان عليه في نهاية الحرب الباردة . في مختلف شعبه كان الجيش الامريكي بعده بتاريخ 31 كانون الاول 1999 مليون ونص شخصا في الخدمة ويمثل هذا العدد اقل من 0.5 بالمئة من مجموع المواطنين الأمريكيين البالغين 280 مليون ولا باس قياسا من تقليص العسكر في جميع البلدان ال نصف بالمئة من مجموع السكان كما يجدر تخفيض المدفوعات العسكرية الى حد المعتمد أمريكية واقصاه ثلاثة بالمئة من الناتج العام .
طالما بقيت الدول بمفهوم طالما بقت الدول بمفهوم الدولة القومية هيه النمط الاساسي في لعبه الامم لسنا بصدد تغييب الجيوش عن المجتمعات الإنسانية ومع ذلك فالفكرة الثانية التي يمكن للحكومة الاميركية بتعميمها تتماثل بحمل الحكومات في العالم على تخفيض حجم جيوشها وحصتها في ميزانية الدولة الى ما هيه عليه في الولايات المتحدة كحد اقصى : جيش في الخدمة نسبه عديده اقل من 0.5 بالمئة من مجموع السكان ، والميزانية حدها الاقصى ثلاثة بالمئة من الناتج الاقتصادي العام والمشروع الثاني هوه اعتماد السياسة الاميركية تعتمد على تخفيض عدد العسكر وحجم الانفاق في العالم وليس اجحافا جعل السقف الاعلى في اي بلد حديث للولايات المتحدة مماثلا للذي اختارته هيه لجيشها عددا وعتادا : فلا حاجه الى جيش جرار في دول اعضاء في منظمه الحلف الاطلسي مثل تركيا وليس طبيعيا ان يصرف بلد حليفا مثل المملكة العربية السعودية 13 بالمئة من الناتج العام في ميزانيه الدفاع فيجدر بواشنطن اذا ان تجهد في اقناع جميع الدول ، بدءا بأقرب الحلقات بضرورة اعتناق هذا السقف وان تتصرف الحكومة الاميركية بحزم اتجاه الدول التي تتعمد تخطي او التغاضي عنه .
والتاريخ يدعم مناف هذه الطرح في عدد من الامثله : فان دوله كوستريكا تتمتع بارقى المجتمع في بلاد الاميركية اللاتينية في القرن العشرين وهيه اكثرها استقرارا على الاطلاق ، ونسبه الجيش كوستريكا وميزانيتها العسكرية الى عدد سكانها هيه الادنى في القارة الاميركية جمعاء.