التمييز بين النص والخطاب في «السيميائية ومنطق الدلائل» لمحمد رضا مبارك

محمود خيون

يؤكد الباحث الدكتور محمد رضا مبارك في كتابه( السيميائية ومنطق الدلائل دراسة نظرية وتطبيقات) بأن ميزة هذا الكتاب أنه يحلل نصوصا مختلفة ولا يقتصر على النص الأدبي بل يتخطاه إلى النصوص الإعلامية والسياسية انطلاقا من أن السيميائية اعتنت في البدء بالنصوص الدينية والقانونية بل وبكل النصوص ومنها الإجتماعية والتي لها علاقة بعلم النفس. ينفرد هذا الكتاب بتحليل منوع للنصوص وقد بنى السيميائيون الأوائل تحليلاتهم على هذا الاتساع الذي جذوره راسخة في الفلسفة هو ما دعاني إلى هذا التنوع والمعروف أن تحليل الخطاب أو البلاغة الجديدة مرتبط بالسيميائية وباللسانيات وبالنصوص الأدبية وغير الأدبية بل لعل علاقته باللغة المستعملة هو ميزته الكبرى على ما يطلق عليه بلاغة الجمهور…أن تغييرا كبيرا طرأ على النص والخطاب والصورة ويعد هذا الكتاب رصدا لهذا التغيير ومحاولة جادة انشغلت بها لأعوام لصنع الانسجام مع متغيرات الفكر..
ويتبين من ذلك بأن الباحث الدكتور محمد رضا مبارك قد صب جل جهده في سبيل توضيح علاقة الخطاب السردي بالصورة التي تجسدها السيميائية وتتخذ لها أشكالا قد تبدو للوهلة الأولى على أنها لبة الحكاية التي يراد الولوج بتفاصيلها بكل دقة ووضوح.. ناهيك عن شروع الباحث واعترافه بأن لا جدوى للكتابة في زمن صارت فيه طباعة الكتب والتأليف ليس بالأمر الصعب بل أصبح الأمر اسهل مما يتصوره البعض. ويؤكد مبارك أن الكتابة والتأليف لم تعد ممكنة في زمن تكاثرت فيه الكتب، أعدادا وتأليفا ،وأصبح بمقدور الجميع إصدار كتاب في ايما موضوع يريد أو يشاء حتى وان قصرت أدواته المعرفية والعلمية، وقد يكون ذلك سببا محبطا للكثيرين، بعض يصدر في السنة الواحدة ثلاثة كتب أو أكثر وبعض أصبحت كتبه في أعوام قليلة تزيد على الأربعين كتابا وهو لذلك مفتخر نشوان وبالمقابل يؤكد مبارك أن كلما زاد العدد زاد الكسب العلمي واغلب ما يظهر أنه لا يوجد قاريء حقيقي يقوم هذه الكتب ولا توجد مؤسسات مهنية تعتني بالمطبوع وتقدمه للقراء…وفوضى النشر تشبه أية فوضى أخرى في السياسة أو الإقتصاد أو الحياة العامة، وإذا حلت الفوضى فهي تحل في كل شيء…والثقافة لن تكون مستثناة بل هي تتقدم الفوضى وتشكل عنوانا من عنواناتها. في هذه المقدمة يستهل الدكتور محمد رضا مبارك دراسته النقدية التي يسلط الضوء فيها على مجريات الأمور وما يحدث الآن في كواليس الحركة الأدبية والإبداعية في البلاد والتي خلفتها الحرب بكل تداعياتها ومفاوزها الغريبة الأطوار ليأتي بما هو شعور بالقلق والحيرة إزاء ما يحدث الآن، فقد اعترف ضمنا أنه كتب فصول هذا الكتاب منذ أعوام وتردد كثيرا قبل الشروع بنشره للاسباب الآنفة ولإحساسه الشديد بلا جدوى النشر لانعدام القارىء الناقد الذي يؤمن بالقراءة المستعادة أو القراءة الشاعرية ،على حد وصف الناقد( تودورون) في تصنيفه لانواع القراءة..ويبدو أن الدكتور محمد رضا مبارك كان بوده أن يكون قارىء كتابه هذا ممن يجيد مهنة القراءة الموضوعية التفصيلية التي تستطيع تصنيف محتواه إلى مادة علمية سيميائية تتصل اتصالا وثيقا والواقع المعاش وتحديد مسارات الخطاب السردي فيها ودمجه مع الصورة التي رسمها الكاتب في مخيلته والتي تهدف إلى تفاعلية دقيقة ومعلومة المعالم ضمن افق الفن السيميائي الذي يرى هو أنه لا يختلف بالايدلوجية الفكرية والنظرية عن بقية الآداب والفنون. فالرواية والقصة تكون هي مصدر إلهام المخرج الذي يحولها الى عمل فني كبير يعد فيما بعد من الروائع ويرسخ في ذاكرة المشاهد مثلما ترسخ فكرة الرواية في ذاكرة القارىء والناقد الحقيقي…فما زالت فكرة( دعاء الكروان ) و( زقاق المدق) و( ثرثرة مع نفسي فوق النيل) وغيرها من الحكايا الشعبية التي حولها كتابها إلى أفكار سينمائية حكائية سردية تعتمد الخطاب المباشر..وفي تلك الأعمال تجلت بلاغة الصورة وفاقت على بلاغة الكلام خاصة إذا اجزمنا ان العالم مجرد صور ومن هنا لابد لنا أن نثير حاسة الذائقة النقدية على قراءة الصورة قبل التعمق بالفكرة والخطاب الفني المعبر عن حتمية الأحداث والمجريات التي يعتمدها العمل السينمائي والروائي على حد سواء…وبهذا الصدد يقول الباحث الدكتور محمد رضا مبارك:-آمل لمن يقرأ هذا الكتاب أن تكون قراءته تفاعلية، لا ازعم كل ما جاء فيه صحيح تماما..فلا يدعي ذلك إلا من قلة حيلته العلمية لكني أقول بذلت وسعا لتكون آرائي فيه دقيقة ومقبولة
…وقد تناول الباحث أيضا مسألة( السرد في التحليل السيميائي )التي يعدها علاقة تكامل، والتحليل السيميائي يأخذ بعض مواصفاته من التحليل البنيوي وهذه مواضعة فكرية لا يمكن تجاوزها في البحوث المعاصرة..
ومما تقدم أن كتاب(السيميائية ومنطق الدلائل دراسة نظرية وتطبيقات )للدكتور محمد رضا مبارك يعد من أنشط البحوث العلمية والفكرية التي تتناول أهمية الخطاب وبنية السرد في الصورة السيميائية وإنشاء الأفكار الكبيرة التي تتكون منها أعظم القصص والروايات التي عبرت عن مفاصل كثيرة وحلقات مهمة من مسار الأحداث التي مرت على العالم وتجسدت عبر مجموعة صور بلاغية اطرتها السردية بفنونها واساليبها المتعددة لتكون هي الصورة الأكثر دلالة ووضوحا أمام القارىء والدارس والناقد.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة