- 1 –
للشعراء في ميدان النصائح جولات وصولات ، وهم يحاولون أن يقدموا النافع المفيد لمن يُقبل عليهم باحثاً عن خلاصاتٍ وافية لتجاربهم الحياتية ووصاياهم .
وهذا أبو الفضل ( جعفر بن محمد الجذامي ت 534هـ ) يقول :
اذا نالَكَ الدهرُ بالحادثات
فَكُنْ رابطَ الجأش صعب الشكيمَهْ
ولا تهُنِ النفسَ عند الخُطوبِ
انْ كان للنفسِ عندكَ قِيمَهْ
فو اللهِ ما لقيَ الشامتون
بَأَحسَنَ مِنْ صَبْر نَفسٍ كَرِيمهْ
ان الشخصية الهشة سرعان ما تتهاوى أمام التحديات .
أمّا الشخصيةُ التي يزينُها الصبر ورباطةُ الجأش فلن تعبأ بما يطرأ مِنَ الحوادث، ويمدها الصبر بمقومات الصمود . - 2 –
إنّ صاحب المكارم والمآثر والأمجاد لن يموت لأنه يُبقي ذِكْرَه في الناس بخلاف الذين يحرصون على اكتناز الأموال وادخارها دون ان يقدموا شيئا ..!!
قال ابن المعتز راثياً وقد وقف على قبر المرثيّ :
لم تَمُتْ أنت انما ماتَ مَنْ لَمْ
يُبْقِ للمجدِ والمكارم ذِكْرا
لستُ مُستسْقِياً لقبرك غَيْثاً
كيف يظما وقد تضمن بَحْرا ؟ - 3 –
ويمعنُ بالأذى أصحاب النفوس الحقيرة فَيُمْطَرون بوابلٍ من النقد الموجع والهجاء المرّ …
ومن مرّ الهجاء تشبيههم بالبعوض ..!!
قال الشاعر :
صِغارُ الناسِ أكثرُهُم فسادا
وليس لهم لصالحةٍ نهوضُ
أَلَمْ تَرَ في سِباع الطير سِرّاً
تُسالمُنا ويُؤِذينا البَعُوضُ - 4 –
وقال الشاعر يمدح الجود ويذم البخل :
وهما صفتان متضادتان ترفع الأولى أصحابها الى القمم، وتخفض الثانية ذويها الى الحضيض :
ولم يُرَ مثلُ الجود للمرءِ حُلّةً
وهل يستوي قَدْرَاً جوادُ وباخلُ ؟
يُذمَّمُ بالبخلِ الشريفُ انتسابُهُ
وتُحمدُ بالجود الحْساسُ الأرذالُ
وما لك في الدنيا سوى مَلْبَس يُرى
عليكَ وما تعطي وما أنتَ آكِلُ
يُطيل حياةَ المرء طيبُ ثنائهِ
والاّ فأيام الحياة قلائِلُ
والسلطويون في العراق الجديد بُخَلاءُ على المواطنين للغاية، ومحبون لأنفسهم ومصالحهم واميازاتهم بضراوة ودون نهاية ..!! - 5 –
وقال أبو الحسن البغدادي متشوقا الى بغداد ومتغنيا بها حيث كانت له الحصن الواقي من الأسقام :
لهفي على بغدادَ مِنْ بلدةٍ
كانتْ مِنَ الأسقام لي جُنَّهْ
كأنّني عند فراقي لها
آدمُ لما فَارَقَ الجَنَّهْ
( الجُنَّة : الحصن الواقي ) - 6 –
وللمحبين معاناتُهم المريرة ، وحكاياتهم الخطيرة ..!!
يقول الشاعر :
وما في الارض أشقى من مُحبٍّ
وانْ وَجَدَ الهوى حُلوَ المَذاقِ
تراه باكيا في كُلِّ حالٍ
مَخافةَ فُرقةٍ او لاشتياقِ
فتسخنُ عينُه عند التنائي
وتسخنُ عينُه عندَ التلاقي
فيبكي إنْ نأوا حذراً عليهِمْ
ويبكي انْ دَنَوْا خوفَ الفِراقِ - 7 –
واليك ما قاله الشاعر في القلم :
أخرسُ يُنبيكَ باطراقِهِ
عَنْ كُلّ ما شئتَ من الأمرِ
يُذري على قرطاسِهِ دمعةً
يُبدي بها السرَّ وما يدري
كعاشقٍ أخفى هواهُ وقد
نمّتْ عليهِ دمعةٌ تجري
تُبْصِرُهُ في كُلّ أحوالِهِ
عريانَ يكسو الناسَ أو يُعري
يُرى أسيراً في دواةٍ وقد
أطلق أقواماً من الأَسْرِ
وهكذا امتدت قوافي الشعراء الى كل نواحي الحياة وجوانبها ، ونغمات القوافي العِذاب تُطرب ذوي الاحساس والألباب .
حسين الصدر