دلالات الصمت والبوح في “صحيفة المتلمس”

د. أحمد جاسم الخيّال

   يرتكز نص صحيفة المتَلَّمِس على بنية تأريخية عُليا استمدّت دلالاتها من الشاعر الجاهلي جرير بن عبد المسيح الذي صحب طرفة بن العبد في رحلته الى البحرين، غير أنه قذف بصحيفته في نهر الحياة وهرب الى الشام بعد أن علم ما خُبِّئَ في هذه الصحيفة من مصير كما جاء في مقدمة الديوان.

   ويعدّ هذا استهلالاً دلاليا يحيد بالقارئ نحو دلالات مركزية كثيرة في نصوص الديوان، يعدّ الشاعر نفسَه وريثاً شرعيا لهذا النزوح حتى أنك ترصد مظاهر الهجرة الروحية في أصقاع كثيرة من الاقتباسات والتضمين، فالشاعر كان يعلم أن نفسه لن تستطيع الاستقرار في وهاد السكينة، إنه يبوح بصمتٍ عن أحزانه التي تتكاثر رغم تعاقب السنين، وتكاد تكون أنيسة له في رحلاته الصوفية المتجدّدة.

    وقد استغل الشاعر عبد الامير خليل مراد طاقات اللغة الخفيّة والمحمولات الرمزية ليقدّم لنا نصّا في نصوص عابرة للفضاء المتوقع من المتلقّي لتنتج لنا دلالات إيحائية مستترة خلف كثافة الاسلوب غير المباشر وخلف الرموز الروحية لمحنة الشعراء القدماء أو خلف ستائر البوح الصوفي الشفيف الذي يعبر بنا نحو شواطئ الجذب تحت سماء العشق خارج حدود الممكن. وقد أثبت الشاعر لنا من خلال نصوصه أن الشعر ((لا يحطّم اللغة العادية ، الا ليعيد بناءها على مستوى أعلى))[i]

   الدهشة والشعور بعمق الفكرة ووضوحها هما من أبرز مقومات الشعرية المعاصرة، ويعتمد ذلك على تقنيات أسلوبية متغيرة تعتمد على المفارقة والرمز التاريخي والسرد الإيحائي المتحرك فضلاً عن مسحة من الشفافية الروحية المتأثّرة بالبثّ الصوفي، وهذا ما لمحته وأنا أقرأ ديوان “صحيفة المُتلمِّس” ، فالمعاني فيه تنمو ولا تأخذ شكلا ثابتاً، وهذا ما يثير شعرية التلقّي، يقول آ. أ. ريتشاردز: ((نحن نفضّل أن نعامل المعنى وكأنه نبات ينمو، وليس وعاءً مملوءاً أو كتلة من الطين أخذت شكلها وانتهت))[ii]، فعلى مستوى الجملة الشعرية أو النصوص عموماً أو الديوان بوصفه نصاً شاملاً نلحظ هذه الحركة بين الصمت والبوح، بين إرادته في قول كلّ شيء وإرادة الصمت، فيبقى المتلقّي يطوف في هذه الدائرة الشعرية في رحلة لا تنتهي وإن انتهى من قراءة الديوان.

    يقف الشاعر في منتصف المسافة في هذه البريّة الشاسعة/ الحياة، كطفل الشعر الكئيب ينتظر الرحلة، لكن إلى أين؟ وليس هناك من أحدٍ يهيّئ له مجدافاً، يقول:

  ((في هذه البريّة

عينايَ زجاجتان

ولا زئبقَ في الكوز

زجاجٌ لم تلمسه العُشبة

وقلبي حطب اللحظات العارية

المتوهجة بالعشق

كأزهار الرّمان الأحمر

أنا طفلُ الشعر الكئيب

وجسدي زورقٌ من الدخان الأبيض

وشطآني عناقيدُ اللذة ودفوفُ الريح

فمن يهيّئ لي مجدافاً

يأخذني إلى الضفة الأخرى

أنا.. أم ..  أنتَ ؟))[iii]              

    من هنا يبدأ الشاعر بحثه عن وجود آخر، وجود خارج الجسد يشعر فيه بالذوبان، فقد ضاق من الآفاق الضيقة لهذا العالم الذي تعكسه عيناه الزجاجيتان، إنه مطّوق بالحدس وغائب تماماً عن الحضور في هذه البريّة التي أثقلت أحلامه وصادرتها.

    إنه يبوح بصمت وأحياناً يصرخ على شكل بكاء ليتخلّص من أقدامه وهي تهرول دون جدوى، فاللحظات عارية رغم توهجها بالعشق غير قادرة على إرواء قلبه، لذا يكسر أفق توقعنا بلغته المشحونة بالدلالات ليقول: (جسدي زورق من الدخان الأبيض) ، و (وشطآني عناقيدُ اللذة ودفوفُ الريح)، لكن من يُوصله إلى هذه الشواطئ؟ من يهيّئ له مجدافاً ويقوده إليها؟ أعتقد أنّ الشاعر لا زال في رحيله وسط عباب البحار يبحث عن شواطئه الدافئة، إنها محنة الشعراء في سفرهم الأزلي وهم يبحثون عن وجودهم الحقيقي خارج حدود الزمان والمكان.

    لقد أسسّ الشاعر قصائده في (صحيفة المتلَّمِس) على بنية دلالية مهيمنة، ومنها تشظّت البُنى الدلالية الأصغر التي شحنت النص برؤى الشاعر الخاصّة والعامة، فكانت لغته مرآةً عاكسة لهذا القلق والسفر الروحي بحثاً عن عالمه الخاص المفقود، لكن لا شيء قادرٌ على إيصاله إليه، ونتيجة لذلك بدأ الشاعر برسم عوالمه المختلفة المرتبطة بالفقد والحزن والرغبة، لم يستطع أن ينجو من جاذبية المثال في العالم الآخر، وكلّ قصائده هي سفر ناقص لتحقيق هذا الوصول.

يقول من قصيدة (ألفة الحقل):

((يهبط شاعرنا (………….)

الضارب في أرض الله

لا البوح يكفكفُ آهتَه

لا الساحل يغرف موجتَه

ماذا لو يكسر نايَ مواجعه

ويُلملم في آخر فصلٍ بعض هشيم الآه

هذي سورة أحزانك تُتلى في السُبل

المقطوعة

والليل بآمالك نجم وطريق

لا النجمة تحضن عاشقَها

لا العاشق يحضن نجمتَه

وأمام الرائي هذا الأفق يضيق))[iv]

   رمزية الهبوط في التراث الديني مرتبطة بذلك الهبوط المرّ لأبينا آدم من الجنة إلى الأرض، والشاعر أيضا يهبط إلى أرض الله، وشكّل المسكوت عنه في الفراغ النقطي (………) دلالة مقموعة لا يريد الشاعر أن يبوح بها، فعلينا أن نتوهمها أو نتأوّلها ونملأ هذا الفراغ بما يناسب ما أراد قوله.    

   وتحقّق هذا الهبوط بالنفي لكل ما هو إيجابي على مستوى روح الشاعر، لذا أكثر الشاعر من استعمال أداة النفي (لا)، (لا البوح، لا الساحل، لا النجمة، لا العاشق)، لكن الشاعر يخاف على أوجاعه، يخاف أن تنطفئ في آخر فصل من التوهّج، فالسبل المقطوعة تصادر أحزانه المرتّلة فيضيق الأفق أمام هذا الرائي الهابط من المطلق إلى الأرض المقطوعة فيها الآمال والعشق، إنه النفي الحقيقي لروحه التي لا تؤمن بقانون البقاء بين جدران الغرفة الضيّقة، سيظل يسير على أرصفة الحلم حتى تتقطّر روحه كالضوء من الشرفة.

    إنه يتمرّد بصمت على قوانين الزمكان والأحكام الأرضية التي جعلته مقيّداً بسورة الوجع المرادف لعشقه الذي يكبر في داخله ويتحدّى سلطة الجسد القويّة، ودلالة التمرد تتوسّع في نصوص الديوان لتكون بؤرة غنيّة تؤسس لشعرية جامحة لا تقنع بهذه الحدود المصطنعة في هذا العالم الصغير، واكتشافها هو اكتشاف (( للفاعلية الشعرية بما هي فاعلية رؤيوية تنبع من الانسان مرتبطة بالتاريخ ومتجاوزة التاريخ والتموضع الزمكاني للإنسان فيه))[v].

   يبقى الشاعر مسافراً روحياً يستقصي المدن البعيدة والصحراء، إنه يبحث عن البداية ليرى الحقيقة التي أتعبته، يقول:

((فمشيتُ أنفضُ عن مداي غبارَ

مملكتي

وفي شَفتي تعلَّق خبزُ أيامي العتيقةِ

كالحصى

ويدي على كوزِ البدايةِ

تحلبُ الصحراءَ

والتعبُ الذي ينمو برأسي

آهٍ من تعبِ

يُرجِّعُ كل ما عفنا على الطرقاتِ

من وجعٍ ونجوى

فاصعدي كالسيلِ يا فرسي البريئةِ

واركضي

بسواي من مُدنٍ الى مدنٍ

تُعبِّئ فيكِ شهوتَها

وتمنحُك المواقدَ كي يظلَّ رمادُنا

في شارع الفيحاء

يرسم ما تقطَّعَ من خطىً فوق الرصيف))[vi]  

   تتعالق الأمكنة الزمنية في هذا النص لتختصر رحلة الشاعر الأبدية بحثاً عن كوز البداية الذي يريد أن يرتوي من مائه ليستمر في بحثه عابراً العصور على فرسه الذي يصهل ويركض من مدن إلى أخرى حتى يصل مدينته (الحلة الفيحاء)، فرمادها هو رماده، لتبقى خطاه مرسومة على رصيفها ليُسهم في بناء تاريخها العتيق.

    على الرغم من قصرِ هذا المقطع من قصيدة (العتايج) إلا أن الدلالات المكثّفة فيه تكاد تختزل تاريخ مدينة الحلة من أول بزوغها ونفض الغبار عنها إلى اللحظة الراهنة، وقد تخلّل هذه الرؤيا الوجودية من الصيرورة الأولى حتى اللحظة الكثير من  المجد والتعب والنجوى والوجع، انها المدينة التي تبحث عن الحقيقة وعن كوز البداية لتكون الرحلة عكسية، رحلة للبحث عن البداية، لأن البداية هي أصل كل شيء وهي فكرة روحية وفلسفية قبل أن تكون رحلة مادية، وقد تغذّت من الصحراء ليشتدّ قلبها في هذا السفر، فالشاعر/ المدينة – أحدهما رمزٌ للآخر- يقفان الآن على رصيف الذاكرة ويرسمون الخطى المتقاطعة على طول الطريق حتى اللحظة.

    لم يكن الشاعر عبد الأمير خليل مراد يرثي نفسه حسب في هذا الوجود الصعب من خلال هذه التجربة الوجودية التي دُوّنت في التسعينيات، وهي سنون صعبة على العراق بسبب الحصار، إنما كان يرثي حالة الفكر بمقت شديد يكاد يصل إلى السخرية والتهكم من كل شيء، يقول من قصيدته (صحيفة المتلمس):

 ((آن لي يا هذا أن أكسر مرآتي

كي أخرج من حبائلي كطيرٍ

(أبق إلى الفلك المشحون)

لأفوز بما يصل الحطّابَ من عطايا

المتلمِّس

وأرثي قفازَ الأرقام

في اليوم السابع من هذا الشهر أمسيةٌ للشعر

وطبعاً – في الأسبوع القادم أمسية للنقد

ها…ها … ها… ها…!

وراتبك الشهري وفيرٌ جداً…كالبيدر

في حضيرة نسيان

عشرة… عشرون…ثلاثون… و … و … و

دينارٌ يتبع دينار

وهذا قرص النوم لدى العطّار

في اليوم الأول نُطعَمُ من زبد الجنّة

في اليوم الثاني لا ندري كم طفلٍ يأوي دون رغيف

والأطفال كثيرٌ ببلادي

كسرابيل الأذرع في حومات الآجال

في اليوم الثالث نُخبَ الأحلام

في اليوم الرابع…

والخامس…

والسادس…

في اليوم السابع نلوك الكربَ

ونُصفِّق في الحارة كالأيتام))[vii]     

      بنى الشاعر نصّه هذا على مرتكزات دلالية تنضم مع بعضها لتكوّن الدلالة المهيمنة، لقد آن الوقت ليخرج الشاعر من صمته المغلق ليقول لنا أنه قد فاز بعطايا المتلمِّس الذي أنقذ نفسه من الموت المدوَّن في صحيفة يحملها معه.

    لكن الشاعر بسخرية لاذعة يتناول الهموم اليومية التي تكاد تغرق أيامه بالكرب والحزن الشديد، ليس لهذا الفتى الذي لا يريد أن يبقى صامتاً إلا أن يكسر المرآة ويخرج كالطير، لكن هذه الأيام المرهونة بالظلم تُدخِله في حساب الأرقام الذي يعني الكثير في أيام شاحبة يحاصرها كل شيء.


[i] – بنية اللغة الشعرية: جان كوهن: 49.

[ii] – فلسفة البلاغة ، آ. أ. ريتشاردز، ترجمة سعيد الغانمي و د. ناصر حلاوي: 21.

[iii] – صحيفة المتلمس: 20.

[iv] – صحيفة المتلمس: 28-29.

[v] – جدلية الخفاء والتجلي، كمال أبو ديب: 10.

[vi] – صحيفة المتلمس: 74-75.

[vii] – صحيفة المتلمس: 87- 88.

 متابعة

الحكواتية المغربية آمال المزورى تحل ضيفة على أيام الشارقة التراثية  

حجاج سلامة  

حلت الحكواتية المغربية، آمال المزورى، ضيفة على أيام الشارقة التراثية، والمقامة حاليا في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي ينظمها معهد الشارقة للتراث.  

وفى الندوة التي شاركت بها وحملت عنوان ” ” الحكاية الشعبية في التراث الثقافي العربي “، وأدارتها الأستاذة عائشة الشامسي، وجهت ” المزورى ” الشكر لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، ولمعهد الشارقة للتراث، ورئيسه الدكتور عبد العزيز المسلم على إتاحته الفرصة لتواجدها بهذا الحدث التراثي المهم والثرى، على أرض الشارقة القلب النابض لثقافات العالم، والصرح الثقافي الغني والمميز الذى يجمع كل ثقافات العالم الثرية والمتنوعة،  

وروت آمال المزورى، الكثير من تفاصيل مسيرتها في عالم الحكواتية، وكيف دخلت هذا المجال الذى صار أحد الفنون الأكثر حضورا في المشهد الثقافي العربي، وأهم المحطات في مسيرتها، ورؤيتها لكيفية النهضو بهذا الفن الذى بات يقوم بدور حيوي في توثيق التراث ونقله من جيل إلى جيل.  

وومن جانبها فى تقديمها للندوة قالت الأستاذة عائشة الشامسى، بأنه اقتداء بأساتذنا الأفاضل وما راكمناه من تجارب وقراءة لبحوثاتهم ودراساتهم أمثال: الدكتور عبد العزيز المسلم، مصطفى يعلى من المغرب، الدكتور محمد المهري من سلطنة عمان، والدكتور بهاء الدين العساسي من مصر تبين لنا أن الحكاية الشعبية بحر واسع لا تكفينا ساعة او ساعتين لكشف أغواره والظفر بذرره، فهي امتداد للخيال الشعبي وتحقيق مالم يتم تحقيقه على أرض الواقع لأن تصور لا محدود، حيث تتناقل شفاهيا دون كتابة أو تدوين لتصير العهدة على الراوي أو من سيتناقلها من بعد جاعلين من الجد أو الجدة غالبا الدور المحوري لتناقلها، وغالبا ما تعالج الظواهر الاجتماعية والعادات والتقاليد ببعض من الوعظ والإرشاد والحكم والنصائح نتيجة لعصارة أو خلاصة لتجارب الحياة وصراع أزلي بين الخير والشر، الإنس والجن، الصدق والكذب، الجنة والنار.  

في ثقافة كل الشعوب العربية دون استثناء لأنها متقاربة في المعنى ومتماثلة في المغزى، واضحة الأهداف عميقة المرام. وكأنها شعب واحد وحدته الحكاية مهما تباعدت المسافات ومهما اختلفت ألوان الأعلام وتعددت اللهجات، لأن لغة التواصل واحدة وتبادل الثقافات ناتج عن قوافل الحج والتجارة وطول ترحالها واهتمام السكان الأصليين بالوافدين عليهم وما عندهم من أخبار للأراضي القاصية والدانية، علاوة على شوق ووحشة المقيم إلى الراحل (لكل وافد خبر ولكل واصل ريح)  مما يجعل الأمور متفاوتة فقد يؤكد الوافد ما قد أخبر به المقيم من الراحل لتتوفر له الأخبار ويعلم أكثر منه مما يجعله يضيف أو ينقص من أحداث ومعطيات حسب ما تلقاه وعرفه وحسب ما سيرويه بسلاسة وعفوية.  

لتظل الحكاية الشعبية هي التصور المتساوي بين كل الشعوب لتجعل من كل حكاية شعبية شخصية تخيليه تتجسد فيها تخيلات الشعب وما عايشه من أحداث متوارثة تسكن الأذهان وتتشابه في بعض البلدان، الهامة، أم الصبيان (موسوعة الكائنات الخرافية في التراث الإماراتي) للدكتور عبد العزيز المسلم.  

ولفتت إلى أن المخيال الشعبي اعتمد في حكاياته على أشخاص ذوي قدرات خاصة أو كائنات خرافية سواء كانت من نسيج خيالهم او من توهمهم او نتاج أحداث ووقائع معايشة حتى صار للعديد من الكائنات تاريخ متجذر تردده القرى والمدائن بل تجده في بلدان أخرى وإن اختلفت الأسماء  فالشخصية تظل واحدة في مغزاها ومفهومها وقواها.  

فقيمة الحكاية الشعبية تكمن في كشف غوامض النفوس الشعبية ولكون الإنسان يتوق لأن يكون في وضعية أفضل مما كان عليه وحاجته الملحة إلى الأوهام لإتلاف الحقائق الموضوعية والتجاوز عنها.  

نص

مائلة على أنقاضها

ألتفتُ:

لا أحد سوى الصدى، تحمله الرياحُ في عبورها الطويلِ للنوافذ المائلة على أنقاضها..

وسطوحٌ مائلةٌ، وعتبات،

رأيتُ:

شابًا في السابعة عشرة، يقف على السطح ويدخن قبالة شباك إحداهن، تلك التي سترفع إليه نهديها العاريين، وتختلسُ نظرةً قصيرةً من فيضه.

كبيرانِ يشربانِ الشاي الثقيلةَ على كراسي قشٍ، فوق عتبة الدار، ويطاردان ـ بعيونِ الريبةِ ـ حفيدهما الذي ما زال يسقطُ على ركبتيه اللزجتين.

رأيتُ خلف النوافذِ نساءً كثيراتٍ تنتظرنَ غريبًا يرمي غرفهن بورود الانتباه

رأيتُ الحياة تمرُ ـ غيرَ مذعورةٍ ـ بين الأجسادِ والحجارة،

قلتُ:

ربما كان ذلك قبلَ أن يمرّ السيد الكبيرُ من هنا، قبلَ حرسه وجنده ودباباته ومدافعه وطائراته، التي جعلت السطوحَ والعتبات والنوافذَ مائلة

مائلة

على أنقاضها.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة