رواية « تل الذهب « لحسن عبد الرزاق

صراع النفس البشرية حين ترفض القيود

ابراهيم سبتي

الرواية عالم من الحكايات المتداخلة، تتعاقب أحداثها وتتنوع انتقالاتها، فتثير فينا ملكة الانتباه وتستفز مخيلتنا ان كانت تحكي شيئا يقترب من أحاسيسنا أو حدثا كنا أرقاما في مجرياته، ولكن عندما تقترب الرواية من كل انكساراتنا ومجهولية مصائرنا ، وتوقد جذوة آلامنا وخسائرنا، فهذا هو ما نبحث عنه وسط ما كتب من سرد خلال الأعوام التي مضت، نبحث دائما عن ما يزيح عنا غبار الحقيقة لتبزغ جلية واضحة .
وتاتي رواية حسن عبد الرزاق ( تل الذهب) معبرة عما يمور في دواخلنا ونحن نكتوي بلظى نيران قضت مضاجع أحلامنا وأمانينا ابان حروب أهدرت شبابنا و كتبت على جلودنا نهاياتنا ونحن احياء . إنها حروب العبث التي أذهبت بالجمال نحو أودية الخراب.
تبدأ الرواية وتنتهي داخل سيارة الريم لنقل المسافرين، ركاب لا شبه بينهم، طالب جامعي وعجائز وقرويين، والراوي ناجي عبد نعيثل المتسرح من الخدمة العسكرية توا، الذي باعه أحد متسكعي الباب الشرقي كتابا عنوانه” حكاية غدك “.. ثمة غرائبية واضحة تطارد مجريات السرد ونحن ندخل الى عوالم من الرهبة والخوف والجرأة . تتوقف السيارة لانفجار أحد دواليبها وتجثم عاطلة عن الحركة لعدم وجود دولاب احتياطي.
تتحرك الرواية وفقا لمفهوم الحدث الصاعد الذي يلتف حول حكاية واحدة أبطالها يتحركون بأدوار مهمة ، فكلهم يشتركون بصناعة التفاصيل وكلهم ينتظرهم المصير نفسه. يجدون خيمة بعيدة عن سيارتهم، يأتي البدوي صاحبها ليقنعهم بالمجيء معه لتقديم بعض الضيافة في هذا الطريق المقطوع والجو البارد والليل الزاحف “ أقرب مدينة تبعد بمسافة تسعين كيلومترا كما تشير قطعة الدلالة الخضراء، وفم الحرب وأفواه قطاع الطرق خلال الليل لا تزال تمثل امام السائقين وهم في المرائب، بأنيابهم المعدنية والبشرية الطاحنة” الرواية ص 13
أربعة أشخاص يذهبون معه، الراوي والقروي وزوجته والطالب الجامعي لتبدأ مغامرة غريبة ومستحيلة، يجبرهم البدوي على اصطحابهم إلى تل الذهب البعيد نسبيا عن الخيمة ليساعدوه في استخراج الذهب المدفون من قبل جده كما يدعي . يستبطن الحدث نوازع بشرية لا يحدها سوى الموت .. استلاب وقلق يعيشه الراوي وهو يحاول الخلاص من مهمة فرضت عليه.
إنه صراع النفس البشرية حين ترفض القيود وترنو إلى الخلاص المرتقب في بحثه عن سبل للحياة، إنه رفض الحرب بكل أناشيدها الحماسية ودوي مدافع الموت وعبث التلاعب بألفاظ الخراب حينما تتحول العناوين الى يافطات نصر مؤزر . تسير الرواية وفق مفهوم الحدث الواحد دون اختراقه بأحداث أخرى جانبية قد تنال من تدفق سيل اللغة الكاشف عن خفايا النفوس الذاهبة نحو مجهول مغلف بادعاء البدوي صاحب فكرة الذهب المدفون في باطن التل، فتغدو الشخوص تتحرك بخيوط الروائي الذي يسيطر عليها كمتحركات تلهث خلف وهم الذهب، تنساب تلك اللهاثات ووتتنازع مع دواخلها للتبرك برؤية المعدن النفيس الذي تبنى حوله قصص الثراء والعيش الرغيد، وهو ما ربطه الروائي في زمن مررنا به بالموت اليومي المعلن عبر المذياع الذي ننتظره الساعة الثامنة مساء، وهو يزف لنا بشرى النصر الذي لم تنته الحرب بعده ابدا . كل يوم بيان حربي مختلف يتلوه مذيع مدهون الشعر مبحوح الصوت.
يحاول الراوي الهرب في عدة محاولات تنتهي بالفشل لأن البدوي الذي يقود المجموعة لا يسمح بذلك ولا يمكن أن يفلت منه احد، لكنه يرضخ في نهاية المحاولات ويجاري الاحداث التي تمر بمواقف صعبة يواجهون فيها الخسارات والانتهاكات لكنهم لم يفقدوا الأمل . تنتهي الرواية بنهاية غير متوقعة حين يجد الراوي نفسه منكبا على قراءة كتابه “ حكاية غدك” مستغرقا فيه والسيارة لا تزال متوقفة، لكنه يلمح البدوي صاحب الخيمة وهو يحاول اقناع الركاب بالمجيء معه كضيوف.. تنطوي الحكاية على استبطان المصائر المتوحدة في مواجهة النهاية نفسها وهو ما أنتجه المخيال الخصب للكاتب بلغة واضحة. يحاول الروائي حسن عبد الرزاق في هذه الرواية، إطلاق عملية السرد المتواصل للحفاظ على الحدث الرئيس. وهو سرد لا يخلو من صعوبة لاسيما انه يسير بنفس واحد على مدى جميع الصفحات وبلغة أدت المعنى الذي أراده .
“ تل الذهب” هي الرواية الرابعة للروائي حسن عبد الرزاق، إذ أصدر قبلها ثلاث روايات هي “سيناريو حياة النمر” و”بوصلة غضبان بن شداد” و”راشد يحصد” ، فيما أصدر مجموعتين قصصيتين هما “أيام العبير” و”باخوس المدينة” .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة