لا للتكلس والجمود

-1-
هناك لون من الغبش في الرؤية والخلل في الإدراكوالاستيعاب عند فريقٍ من الناس يحجب عنهم الحقائق ويقلب المفاهيم وتختلط معه الاوراق …
-2-
فالنُسكُ لا يعني السلبية المطلقة ازاء الشعر مثلا لأنّ الشعر يمكن أنْ يكون من افضل ما يدخره الناسك لنفسه عند الله وعند الناس، وشعراء العقيدة قد فازوا بأجر عظيم عبر ملاحمهم الشعرية المجيدة في الدفاع عن الاسلام والاشادة بالرسول الاعظم (ص) وبالقادة الهداة الميامين من أهل بيته عليهم الصلاة والسلام ، وفتوحاتهم الكبرى في شتى الميادين .
-3-
ومجرد التأمل في موقف الرسول (ص) من (حسان بن ثلبت) ، وموقف الامام زين العابدين (ع) من الفرزدق، وموقف الامام الصادق ع من السيد الحميري، وموقف الامام الامام الرضا (ع) من (دعبل الخزاعي )،
كفيلٌ بأنْ يجعلنا على يقينٍ راسخ بأهمية توظيف الشعر لصالح المبادئ والقيم .
وقد نال الشعراء اللامعون في هذا المضمار أوسمة رفيعة أدخلتهم في نادي الرجال الخالدين .
-4-
ونأتي الآن لنذكر مثالاً للتزمت الغريب الذي أُطلق عليه خطأً وُصْفُ (النسك) وما هو بالنسك وانما هو جمود وتكلس واضطراب في الفهم
قيل :
” لم يُرقطّ أعلم بالشعر والشعراء من خلف الأحمر ،
وكان يعمل الشعر على ألسنة الفحول من القدماء فلا يُميّز عن مقولهم ، ثم نسك ،
وكان يختم القرآن كل يوم وليلة، وبذل له بعض الملوك مالاً خطيراً على أنْ يتكلم في بيت شعر شكوا فيه فأبى، وواضح من هذا النص أنّ خلف الأحمر -وهو الخبير بالشعر والشعراء والقدير على مجاراة كبار الشعراء بشعر لا يقل عن أشعارهم – امتنع عن الكلام في بيتٍ من الشعر أريد منه الكلام عنه معللاً ذلك ( بالنسك).
-5-
انّ خلف الاحمر تحوّل من ( كذّاب) يضع الشعر وينسبه الى غيره الى (ناسكٍ) يُريد إبعاد نفسه عن الشعر بشكل مطلق ..!!
انها في الحقيقة رواسبُ تاريخٍ حافلٍ بألاعيبِهِ وأكاذيبِهِ …
وليست المسألة مرتبطةً بالدين والالتزام بتعاليمه، حيث لا تعارض بين التدين العميق وبين الفهم الدقيق للشعر والافاضة في معانيه ومراميه .
-6-
ويحلو للبعض ان يحيط نفسه باطار محدود يُضيّقُ فيه الخناق على نفسه ويزعم أنَّ ذلك هو من مقتضيات النسك والتدين والعبادة، وهذا مسلك مرفوض بعيد عن التوازن والاعتدال المطلوبين في السلوك .
جاء في التاريخ :
ان ( معاذة) زُفّت الى (صلة بن أشيم) فبات ليلة الزفاف يتهجد ، فقيل له فقال :
دخلتُ بيتاً فذكراتُ النار ( يعني دخل الحمّام) ثم دخلتُ بيتاً فذكرتُ الجنّة (يعني بيت العروس) فما زال فِكْرِي فيهما حتى أصبحت
أقول :
انّ البلاغة مطابقةُ مقتضى الحال وليلة الزفاف كانت تقتضيه شيئا آخر لم يفعله معللاً ذلك بذكر الجنة والنار ..!!
واذا كان بعض السلف يأنس بمثل هذه المواقف فان الجيل المعاصر لا يوافقهم على مسالكهم المتزمتة .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة