الطريق الدستوري لتجميد مجالس المحافظات

تجميد عمل مجالس المحافظات أو إلغاءها، أصبح الشغل الشاغل لنخب سياسية ومختصين بالشأن القانوني، إضافة إلى قيام اللجنة القانونية في مجلس النواب بدراسة مدى إمكانية إلغاء أو تجميد تلك المجالس، في الوقت الحاضر. وقد بين المستشار القانوني لمجلس النواب أن تجميد تلك المجالس، يعد مخالفة دستورية، كون أن المجالس موجودة بموجب قانوني، إضافة إلى أن الدستور نص عليها، وإن قانون انتخابات مجالس المحافظات، نص على أن مدة انتهاء عمل تلك المجالس، هو يوم 1/3/2020 . بالتالي فإن أي قرار يتخذ من قبل مجلس النواب، لا يرتقي إلى مستوى قانون، سيكون إجراءً مخالفا للقانون، ويمكن الطعن به أمام المحكمة الاتحادية. إن فكرة تجميد أو إلغاء مجالس المحافظات، جاءت بعد اندلاع الاحتجاجات يوم 1/10 حيث إن المجلس قرر في الجلسة التي تلت انتهاء تلك الاحتجاجات ضرورة إلغاء الحلقات الزائدة في الجهاز الحكومي والإداري، حيث أصدر قانون إلغاء مكاتب المفتشين العموميين، وبعدها تمت مناقشة مسألة تجميد أو إلغاء مجالس المحافظات. لقد أثبتت التجارب والأحداث فشل تلك المجالس بتوفير الخدمات، وتلبية احتياجات المواطنين، بل تحول قسم كبير منها، إلى دوائر للمساومات والابتزاز، فقد كانت مجرد ديكورات إدارية لا عمل لها، ووجودها لا يسهم بتقديم شيء يذكر للمواطن. لذلك، كانت أهم مطالب الجماهير التي خرجت للتظاهر، هو المطالبة بوضع حد لتلك المجالس، ولكل المؤسسات التي تستنزف خزينة الدولة من دون أن تقدم شيئا. وبالعودة الى نص الدستور، نجد أن تلك المجالس، منصوص عليها فعلا في الدستور، لكن النص لم يشر إلى ضرورة وجود تلك المجالس، وإن وجودها حتمي، بل نص على أن مجلس المحافظة يتولى أن ينتخب المحافظ وينظم بقانون انتخابات المجلس وان المجلس لا يخضع لسيطرة او اشراف اية جهة غير مرتبطة بوزارة وله مالية مستقلة. هذا هو نص المادة 122 من الدستور. ولكن: هل انتهى الحديث عن مجالس المحافظات هنا؟ المادة 123 أجازت تفويض صلاحيات الحكومة الاتحادية للمحافظات وبالعكس، أي يمكن تفويض صلاحيات المحافظات للحكومة الاتحادية بشرط موافقة الطرفين على أن ينظم هذا الموضوع بقانون. وهذا يعني وجود مخرج دستوري لجعل صلاحيات المجالس بيد الحكومة الاتحادية ولكن قبل ذلك يجب أن يتم تشريع قانون ينظم هذا التفويض، وان يكون القانون صارما بحيث لا يمنح الحق المطلق لتلك المجالس بأن ترفض تفويض صلاحياتها للحكومة الاتحادية، كون إن ذلك التفويض هو لمصلحة الشعب أولا. ولكون تلك المجالس، فاقدة للشرعية الشعبية في الوقت الحاضر، أي إن تفويض الشعب لها قد انتهى منذ عدة سنين، وإن شرعية وجودها يستند إلى نص قانوني، في حين إن شرعية الشعب أقوى من شرعية القانون، فإنها فاقدة للإرادة التي تخولها رفض أو قبول تفويض الصلاحيات، كون إن تلك الصلاحيات إنما هي أصلا صلاحيات الشعب، لكنه واستنادا للأسس الديمقراطية، قد فوض صلاحياته لتلك المجالس لتتولى إدارة شؤون المحافظات نيابة عنه. ولكون إن الشعب يرغب في إلغاء تلك المجالس، فبالإمكان تولي الحكومة الاتحادية ممارسة اختصاصات المحافظات حتى لو لم تتم موافقة تلك المجالس، في حال انتهاء التوقيت القانوني الذي حدده قانون انتخابات مجالس المحافظات النافذ. لكن بشرط تشريع قانون ينظم الحالة، وهو أمر ليس صعبا على البرلمان، فيما لو كان فعلا يريد تنفيذ مطالب المتظاهرين.

سلام مكي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة