ابناء المسؤولين!

اينما، وكلما، يجري الحديث عن مخالفات ابناء المسؤولين الكبار والسياسيين المتنفذين تسمع من يقول لك «قف، انه ملف حساس» او تتلقى نصيحة مغشوشة بالقول:» تحدثْ ما شئتَ، لكن مع الابتعاد عن ذكر الاسماء» والحال ان الامر يبقى على حاله، إذْ تزدحم اقنية المعلومات والاخبار بالروايات المثيرة للغضب عن ابناء واحفاد مسؤولين وساسة تصدروا ادارة البلاد فتلاعبوا بالمال العام وافسدوا السياسة والاخلاق ومعايير الوطنية والانتماء والعبادة، وذلك تحت توجيه ورعاية وحماية اسلافهم، وشئنا ان نردد القول: لو ان ثلاثة ارباع ما ينشر مبالغ فيه، او غير صحيح فأن (الربع) المتبقي سيكون كافيا لتكوين صورة مفزعة عما حل بالبلاد على ايدي هؤلاء المسؤولين، او الاعلان بأن الابناء الورثة مشاريع طغاة وفاسدين لمرحلة المحاصصة كلما طال بها الامد.
حكاية يزيد بن معاوية تقترح علينا الامعان في ما يكرره التاريخ بأن الفاسدين والجبابرة الطغاة ينجبون ابناء من جنسهم.. «لا ينامون إلا على الرِضا، ويضحكون عند الغضب» كما يصفهم الطبري، او انهم (الابناء) يعلنون من على المنابر حين يصعدون الى سلطة آبائهم: «والله لا يأمرني احد بتقوى الله، إلا ضربت عنقه» وذلك في نص نقله ابن الاثير عن عبدالملك بن مروان وهو يخطب في المدينة بعد ايام من ارتقائه الحُكم، ، بل ان القلقشندي في (صبح الاعشى) لاحظ ان ابن المسؤول الطاغية، والفاسد «لا ينحطّ في ملابسه، ويرتفع عما يلبسه السوقة» في اشارة الى التعالي على الناس، وكأنه يستبق روايات يتناقلها الناس الآن عن مسؤولين أئتمنتهم الدولة على ثروات واموال الشعب، فنهبوها، ثم دربوا الابناء والاحفاد على فنون النهب.
ليس هذا فحسب، انهم يتعلمون، منذ نعومة اظفارهم، الكلام المعسول، الملقّن، الذي يثير الملل والغثيان لفرط تكراره، وينقل ابن عساكر حديثا للنبي يحذر فيه من ابناء النعمة الذين ورثوا السلطة والهراوة عن آبائهم، بقوله: «شرار أمتي الذين غُذوا بالنعيم، ويتشدقون بالكلام» وطبقا لأحمد ابن حنبل في «المسند» فقد دخل احد اولئك على رسول الله (ص) فالقى اليه الرسول الكريم وسادةً من أدَمٍ (وهو جلد رخيص، حشوُها من ليف مما يستعمله الفقراء) فلم يقعد عليها الزائر، وبقيت بينهما.
المشكلة الاولى، بهذا الصدد، ان استيراث الابناء «مواقع» وسلطات وسطوة ونفوذ آبائهم جزء من ثقافة العشيرة التي باتت بمنزلة دستور، وثمة في حالات كثيرة يشار الى ان الابناء والاحفاء، الورثة اكثر طغيانا من اسلافهم، وان الناس صارت تترحم على السلف الفاسد بوصفهم اكثر رحمة من الخلف الاكثر فسادا.
المشكلة الثانية ان الاقدار تشاء الآن ان نكون ، نحن ابناء هذا الحاضر العراقي، شهودا لهذه الظاهرة الفاجرة.. وضحاياها في الوقت ذاته.
*************
من كتاب «الامامة والسياسة»:
لقي المنصور فقيهاً أعمى في الطواف، والفقيه لا يعرفه، فأمسكه المنصور من يديه، وقال له: أتعرفني؟
قال الفقيه الاعمى: لا أعرفك.. لكن قبضتك قبضة جبار.
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة