انقلاب شباط وغزوة داعش.. سؤال التشابه

لا نتحدث، هنا، عن تشابه شكلي عابر بين منهج كل من حركة 8 شباط وغزوة داعش، فان التشابهات الشكلية في علم الفيزياء قد تفترض عودة المتشابهات الى اصولها، وبمعنى آخر انفكاك الطرفين وعودة انقلابيي شباط الى مسار الفكر القومي التحرري والمصالحة مع عصر التنوع، مقابل عودة الدواعش الى اصول الدعوة الاسلامية واحلال الجدال «بالتي هي احسن» محل تكفير الامم والقتل على الهوية.
اقول، نحن نتحدث عن تشابه عضوي وليس شكليا.. فقد كان انقلاب شباط العام 1963، بشعاراته وجنس السلطة التي جاء بها وهوس القتل الذي رافقه، بمنزلة بروفة تطبيقية مبكرة لمشروع الإرهاب في البيئة السياسية العراقية إذْ توّج (الانقلاب)مسيرته، بعد انقطاع (نهاية عام 1963) وعودة (1968) وسقوط (2003) بالطور الداعشي عام 2014، فلا غرابة هنا ان يتحالف ورثة انقلاب شباط الصداميون مع قطعان داعش الارهابية، فان النزعة الدموية الاقصائية للفصيلين والمصاهرة الايديولوجية بينهما (عنصرية قومية- تطرف ديني) بائنة كفاية في اكثر من واقعة وممارسة ووثيقة واعلان، وليس من قبيل المصادفة ان ينتقل جنرالات البعث والكثير من اشرس جلاديه وعناصر اجهزته القمعية الى صفوف الخلافة المتوحشة في الموصل والرقة وكركوك واطراف بغداد، وان يحققوا شراكة دموية، بين الاستئصالية القومية والتكفيرية الدينية، ويجعلوا منها دستورا لدولة كيفية يحكمها هوس الانتقام.
والحال، فان ما يجمع ورثة انقلاب شباط بمشروع داعش هو اباحة إهدار دماء الخصوم من دون محاكمة على اساس شرعية منفلتة وكيفية واجرامية، وفي تقاويم شباط هناك بيان رقم 13 سيئ الصيت الذي اهدر دماء «الشيوعيين» بالشارع بسبب معارضتهم للانقلاب، وقد تجاوزت اجراءات الانقلابيين شكل قتال المعارضين للانقلاب الى عقاب جماعي للاحياء والقوميات والاقليات الدينية، في تمرين مبكر للهمجية الارهابية وجدنا ابشع تطبيقاته على يد الغزاة الداعشيين، وتشاء المقارنة ان تكشف حقيقة ان عنوان الضحايا هي نفسها على يد انقلابيي شباط 1963 وغزوة الموصل عام 2014، سوى انها هناك ارتدت الشعارات القومية الصفر وارتدت هنا الشعارات الدينية الاكثر صفرة.
اما الشرعية التي منحها الانقلابيون البعثيون لانفسهم فلا تختلف من حيث كيفيتها وسبل فرضها عن الشرعية التي اعلنها الدواعش دستورا لهم، فهي شرعية ثورية (قومية) هناك وشرعية فقهية (دينية) هنا، وفي الحالتين ثمة جهة صغيرة (القيادة الحزبية) او شخص (الخليفة) عهد لها حق احتكار القرارات الخاصة بمصائر الناس وبترخيص المذابح والاستئصالات وفرض السلوك والولاءات (البيعة) خروجا على كل قواعد الشرعية الانسانية المعلنة في الموثقات الوطنية او الدولية، ولا اي شكل من اشكال التفويض المجتمعي، بل ان ما جرى على يد الشباطيين والدواعش هو عملية اقصاء همجي للمجتمع الذي انتهكت اعرافه وثقافاته وبناه الحضارية، تحت امرتهما، ليكون مستسلما للخوف وللحاكمية الجديدة، او متواطئا معها.
الى ذلك فان الهدف المعلن من انقلاب شباط كان يتمثل في اعادة بناء الدولة القومية (وبالتفاصيل: تحقيق الوحدة) والهدف عند داعش هو تشييد الدولة الاسلامية، وتوحيد الامة الاسلامية فيها، وكلتاهما دولتان هلاميتان لهما مشتركات في سطوة التخيل الشائه، وتطرف المطامح، والحال، فانها في الحالتين، وفي التطبيقات المبكرة لهما، دولة تقترب من الغابة، إذ تخضع مخلوقاتها وأقدارها الى مشيئة قوة مفترسة لا حياة لمن لا يذعن لها، ولا مكان للاختيار او الخصوصيات او التنوع او استمزاج الرأي والمشورة والاعتراض في قاموسها، والاخر عندها عدو.. وصورة العدو مقتول دائما.
بقي شيء واحد يتصل بالنهاية، إذ مضى انقلاب 8 شباط ومشروع داعش الى خاتمة واحدة: مطلوبان للعدالة، وجمعهما مكان واحد: المزبلة.
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة