رحلة ستين عاماً من التكية الى قصر السلام
( لقاء العمر)
الحلقة 62
تضع “الصباح الجديد” بين يدي القارئ الكريم ما يمكن أن يوصف بمذكرات للرئيس الراحل جلال طالباني، وتتميز المذكرات وهي عبارة عن بوحٍ متصل للأستاذ صلاح رشيد، بأنها صورة مفصلة بل تشريح سياسي لمرحلة حاسمة في تاريخ العراق تشمل السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وحتى يومنا هذا.
وعلى عكس ما عُرِف عن مام جلال من دبلوماسية ونزوع نحو التسويات التي عرف بها خلال ثماني سنوات من جلوسه على مقعد رئاسة الجمهورية العراقية، فأنه على العكس من كل ذلك يدلي بآراء في غالبيتها إشكالية، ونحن لا نتحدث عن المعلومات وسرد المعطيات التاريخية لعلاقته بصدام حسين وفرقه المختلفة للتفاوض مع الاكراد، بل أنه يتجاوز الى العلاقة مع إيران وسوريا والولايات المتحدة وبقية الأطراف التي كان لها تماس مع الملف العراقي في مراحله المختلفة، لكننا نتحدث عن الآراء المتعلقة بالشخصيات التي رافقته خلال مرحلة بناء الاتحاد الوطني الكردستاني وتشكيله للبؤرة السياسية في اعقاب عام (1975م) وهزيمة الثورة الكردية أثر اتفاق الجزائر بين الشاه وصدام.
وتشكل المذكرات إنارة معمقة للطريقة التي اتبعها مام جلال في معالجته للتحديات والحلول التي خرج بها لتجاوزها، ولكنها لا تخلو أيضًا من اضاءة البعد الشخصي لمام جلال مما يساعد في نهاية المطاف الباحثين السياسيين والمواطنين على حد سواء العرب والاكراد على الاطلاع على أسرار لم يجرِ التطرق اليها في الماضي.
وغني عن القول أننا في “الصباح الجديد” نعدّ هذه المذكرات شهادة تاريخية من شأنها أن تستكمل المشهد السياسي العراقي الراهن، وهي تنطوي على مفاجآت وطرائف لا يمكن لأحد من خارج الدائرة الضيقة لمام جلال أن يطلع عليها.
“الصباح الجديد” سوف تنشر القسط الأساسي من هذه المذكرات، وهي لا تتحمل مسؤولية أي آراء قد تنطوي على بعض القسوة هنا وهناك، وستحاول تخفيفها بقدر الإمكان، ونأمل أن يتجاوب الساسة الكرام في كردستان وفي الفضاء العراقي من خلال هذه العملية ويسهموا بدورهم في إضاءة بقية المشهد.
إعداد: صلاح رشيد
ترجمة: شيرزاد شيخاني
كرد في سوريا
* يقال بأن كرد سوريا ليسوا منظمين من الناحية السياسية وأكثرهم تتوزع ولاءاتهم بين الأحزاب الكردستانية العراقية والتركية، ما مدى صحة ذلك؟
– هذا ليس صحيحا، فالأحزاب الكردية السورية تأسست بدعم من كرد العراق وإيران. في البداية ساهمت أنا وعبدالرحمن زبيحي والشاعر هزار موكرياني بدور في تأسيس الأحزاب الكردية هناك وللأسف وقعت تلك الأحزاب كغيرها تحت تأثير البارتي، وبسبب سياسة (الجلالية والملائية) إنقسموا بدورهم الى ثلاث أو أربع أجزاء، وأعتقد بأن النظام السوري بدأ أيضا بالتدخل لتفتيت تلك الأحزاب الى فئات صغيرة. الآن هناك ثمانية أو تسعة أحزاب كردية صغيرة بسوريا، وللأسف ليس بينهم حزب قوي وكبير يستطيع توحيد صفوفها وتوحيد الشعب.
* ولماذا فشلت في تحقيق ذلك برأيك؟
– في فترة من الفترات حين لم تكن في كردستان العراق الحريات السياسية وساد الظلم والقمع والإضطهاد، كانت أحزابنا لاتختلف عنهم بشيء، ولكي تتمكن من جمع العدد الأكبر من الشعب حواليك يجب أن تتوفر الحريات السياسية كي تستطيع التحرك لأن الشعب لايلتف حول الأحزاب هكذا جزافا.
* المطالب الكردية بسوريا ليست معقدة الى درجة تعجز الحكومة هناك عن تلبيتها، فلماذا هذا الموقف من الحكومة السورية برأيك؟
– كانت سوريا منذ البداية مركزا لحركة القومية العربية، وقاد هذه الحركة مشيل عفلق وآخرين من رفاقه المسيحيين وهؤلاء هم الذين شرعوا وإستنوا الفكر التطرفي العربي وصاغوا مباديءالحركة القومية العربية العنصرية والتي مازالت سائدة الى اليوم. وما يميزهم هو قولهم “ان المواطنين من غير العرب الساكنين في الوطن العربي يجب أن يكونوا عربا أو يطردون من البلدان العربية”! هذه السياسة العنصرية البغيضة سائدة بين عرب سوريا وكذلك بين الطائفة السنية، ولكن العرب العلويين لايفكرون هكذا تجاه الكرد بل يتعاطفون معهم. فعلى سبيل المثال إذا صادفت موظفين أحدهما سني والآخر علوي، ستشعر فورا بأن العلوي يتعاطف معك أكثر من السني.
*كانت لك علاقات قوية ومتميزة مع القيادات السورية وعلى رأسها مع الرئيس السابق حافظ الأسد، فلماذا لم تستغل تلك العلاقة لتوظفها لصالح إخواننا الكرد السوريين؟
– لم أتردد للحظة عن فعل ما أستطيعه سواء بالنسبة لكرد سوريا أو لكرد تركيا، وفي الحقيقة عندي قناعة ثابتة أود الكشف عنها الان وهي، أنني أعتقد بأن هناك ربطا محكما بين المسألة الكردية في كل من سوريا وتركيا. فكرد سوريا ليست لهم رقعة جغرافية متصلة، فلو نظرت الى الخارطة ستجد بأنهم لايعيشون على أرض معينة، ففي منطقة الحسكة هناك كرد، وبجنبهم يعيش العرب، وفي أغلب المناطق يعيش الكرد متفرقين بين العرب. أضف الى ذلك أن الغالبية العظمى من كرد سوريا جاءوا أساسا من الجانب التركي، ولذلك أعتقد بأن تحرر الشعب الكردي السوري مرتبط تماما بتحرر الشعب الكردي بشمال كردستان، ولذلك بذلت جهدا لإقناع القيادات السورية بدعم الحركة الكردية في الجانب التركي الى جانب دعمنا نحن، وإعتبرت هذا الدعم أولى من مطالبة القيادة السورية بتلبية مطالب الكرد هناك، ومع ذلك فقد تطرقت معهم الى المسألة الكردية في سوريا في مناسبات عديدة سنحت فيها الفرصة لذلك.
الإتحاد الوطني و دول الجوار و فلسطين
المسألة الفلسطينية والعرب
* يعرف عنك تعاطفك و صداقتك مع العرب، حتى أنك متهم من بعض الأطراف بأنك (عروبي)، من أين وكيف ولد هذا الإنطباع عنك؟
– إذا كان القصد من إتهامي بـ (العروبية) نتيجة دعمي للشعب العربي، فأنا أحب ذلك، وأتمنى أن ينجح العرب في تحقيق حريتهم ووحدتهم الديمقراطية، و سأرد عليك بالعبارة الشهيرة (إتهام لا أنفيه وشرف لا أدعيه). فمنذ فترة مبكرة جدا حين كنت في كلية الحقوق أسست علاقة متينة مع مجموعة من الطلبة العرب الذين يمثلون مختلف التوجهات، وكنت مؤمنا بأن القضية الكردية لن تحل فقط في إطارعراق ديمقراطي، بل لابد وأن يحظى أي حل بهذا الإتجاه بدعم ومساندة القوى العربية لأننا بحاجة فعلا الى هذا الدعم لضمان نجاح الحلول المطروحة، وخاصة بعد تطور وتقدم الحركة القومية العربية على يد عبدالناصر، وأعتقد بأن أحد شروط تحرر العراق وكردستان هو أن تكون لنا علاقات متميزة مع حركة التحرر العربية.
في الفترة التي كانت علاقتنا الحزبية محصورة بالحزب الشيوعي فقط، سلكت طريقا مختلفا عن رفاقي الآخرين لتوسيع نطاق علاقاتنا لتشمل غير الشيوعيين، وبخاصة تأسيس العلاقات مع القوميين العرب. وأظن بأننا في بدايات عام 1954 بدأنا الإتصال بحزب البعث العربي الإشتراكي وكان ذلك أثناء لقائنا ببعثيين في دار المعلمين العالي، هناك إلتقينا ببعض أعضائهم وشاركناهم إجتماعات الطلبة وكنت أحدهم وتحدثت عن الأخوة العربية الكردية، وأوضحت لهم بأن الأساس الذي يجب أن تقوم عليه العلاقة بين هاتين القوميتين هو ما ذكره الإستاذ إبراهيم أحمد في كتابه (الأكراد والعرب) وهو الإعتراف بحق تقرير المصير للشعبين وتثبيته، فبدلا من فرض إتحاد قسري بين الشعبين، يفترض أن يكون الإتحاد إختياريا و بإرادة حرة للشعبين لضمان التعايش الأخوي بينهما. وفي عام 1955 حين سنحت لي فرصة السفر الى الخارج، حاولت بناء العلاقات في سوريا مع الأحزاب القومية ولكننا لم نحقق النجاح المطلوب. ولكن في عام 1957 كنت أيضا في سوريا و كان معي كمال فؤاد و عبدالرحمن زبيحي و هزار الشاعر، وذات يوم كنا نتمشى بالشارع حين واجهنا الأستاذ صديق شنشل و معه فؤاد الركابي، الأول كان سكرتيرا لحزب البعث والآخر نائبا لرئيس حزب الإستقلال، وجاءوا للمشاركة في المؤتمر القطري العربي وكانوا على معرفة سابقة بزبيحي، و بخع سلام و كلام تعرفنا بهم، ثم جلسنا بمكان وسألونا “لماذا لا تؤسسون علاقة مع القوى القومية العربية”، قلنا “نحن نرحب بذلك كثيرا، ولكن لانعرف من أين نبدأ”؟ قالوا “دعوا هذا الأمر لنا، سنرتب نحن لكم هذا الأمر”، ونظموا لنا سلسلة من الإجتماعات واللقاءات، وأخذونا معهم للقاء أكرم الحوراني الذي كان حينذاك رئيسا للبرلمان السوري، ذهبت أنا وزبيحي وكمال فؤاد إليه، ووجدنا منزله متواضعا جدا وهو رجل بسيط وطيب المعشر، وأوحى لنا بأنه يعرف الكثير عن الشعب الكردي وقال “أنا في مدينتي حماه لي علاقة جيدة مع الكرد هناك، وعددهم كبير، وكانوا على إتصال معي حين كنت في حزب عربي آخر قبل تأسيس حزب البعث”. كما إلتقينا لاحقا بعبدالحميد السراج الذي كان مسؤولا عن الإستخبارات السورية وأحد الضباط الأحرار المتنفذين وله علاقة مع الكرد لأن زوجته كانت كردية.
* وهل كانت لديهم توجهات لإقامة العلاقة مع الكرد؟
– نعم، فعلى سبيل المثال كان هناك مخطط يجول بذهن السراج لتحقيق تعاون كردي عربي، وقال لنا “يجب أن ندعم النضال الكردي في العراق وإيران وتركيا لكي نضمن تعاونا مشتركا ونمضي إتفاقا بين الشعبين”. وسألناه عما يجب أن نفعله في هذا المجال؟ فإقترحنا عليه ان يلتقي الرئيس جمال عبدالناصر أثناء زيارته الى موسكو بالملا مصطفى البارزاني ويتفقا معا حول هذا التعاون، حينها سيسهلان علينا الأمر، ورحب بمقترحنا وقال “سأوصل هذا الخبر الى مصر”. أما حول سوريا فقد كان لديه مقترح آخر وقال “كرد سوريا ليست لديهم رقعة جغرافية متصلة وموحدة، وهم متفرقون هنا وهناك وأعدادهم قليلة، ولكن بإمكانهم أن يقوموا بدور مهم جدا إذا ما إنخرطوا بحزب كردستاني تركي أو سوري”. وكان يستحسن فكرة وجود حزب كردستاني تركي ولامانع أن تكون مقراته داخل سوريا يستقطب كرد سوريا أيضا، ويستطيع أن يساعد سوريا أيضا ويدعم سياساتها. وكان السراج يرى بأنه في اليوم الذي يتحرر فيه شعب كردستان تركيا فإن مسألة الحدود هذه ستحل، فحينها سيطالب العرب بالأسكندرونة وستقع بيد الكرد، وسيطالب الكرد عندها بحقوقهم القومية، حينها إما نتفق أو نقدم تنازلات متقابلة، نقدم لهم الإسكندرونة و يتنازلوا عن القامشلي والجزيرة، وحول العراق أبدى دعمه لبدء النضال المسلح معربا عن إستعدادهم لتجهيزنا بالسلاح وتأمين التدريبات العسكرية لعناصرنا، وعلى هذا الأساس عملنا مع كرد سوريا لتأسيس حزب يجمعهم كلهم وحول كردستان العراق إتفقنا أن نعود ونفكر في مسألة تفجير الثورة ضد حكومة نوري السعيد، وأن يدعمنا السوريون والمصريون، حتى أنهم تحدثوا بالتفاصيل الدقيقة حول تشكيلات البيشمركة وما ستحتاجها من الأسلحة والعتاد والأموال، وقال السراج “سنؤمن لكم كل شيء، وهناك مهربين يستطيعون أن يوصلوا لكم تلك المساعدات الى داخل الأراضي العراقية”، وبالطبع رضينا بهذه المقترحات، وكلفنا زبيحي لكي يكون ممثلنا للإتصال مع السوريين والمصريين.
* ماعدا هذه النشاطات، هل قمتم بأي تحركات سياسية أخرى؟
– نعم، كان هناك أمران حققناهما، الأول هو مشاركتنا بكونفرانس عقد في اليونان للشعوب غير المستقلة، وأوفدنا السيدة روشن بدرخان ممثلة عن الكرد، وأوفد مشيل عفلق ممثلا عن سوريا الى نفس المؤتمر، وتحدث هناك بشكل إيجابي، وروت لنا روشن تفاصيل ماقال، وإستغربنا في الحقيقة كيف يتحدث عفلق بهذا الشكل الإيجابي عن القضية الكردية. أما الأمر الثاني فقد كان مقررا أن يعقد في القاهرة مؤتمر بالعام المقبل بإسم (مؤتمر التعاون الأفروالآسيوي)، وإقترحنا زبيحي ليشارك فيه ممثلا عن الكرد، وفعلا ذهب الى القاهرة ولكنه لم يستطع المشاركة كممثل للكرد، ولكن أنور السادات الذي ترأس المؤتمر إلتقى به، كما عقد لقاءات متعددة مع ممثلي بعض الأطراف الأخرى وتحدث إليهم حول المطالب الكردية.
وفي هذا المجال أيضا بدأنا ببناء العلاقة مع الجانب المصري في ذلك العام، أي عام 1957، فقد تحدثنا الى كمال الدين رفعت أحد الضباط الأحرار وهو صديق مقرب من عبدالناصر، وساهمت تلك العلاقة بتأسيس الإذاعة الكردية بالقاهرة والتي لعبت دروا كبيرا في المنطقة وفي كردستان لأنها كانت الإذاعة الوحيدة في العالم العربي التي تتحدث بروح وطنية وثورية عن القضية الكردية وتعريفها بالأوساط العربية وكذلك بث الدعايات لصالح الأخوة العربية الكردية.
وهكذا ترى بأنني قبل ثورة 14 تموز كنت مؤيدا لتمتين العلاقات مع العرب على أساس الإتحاد الإختياري والإعتراف بحق تقرير المصير لشعبنا في إطار دولة فدرالية أو كونفدرالية.ومازلت أعتقد بأن الكرد يجب أن تكون لهم علاقة جيدة وقوية بالشعوب العربية وخصوصا مع القوى الوطنية والتقدمية في مصر وسوريا وقياداتها.لقد تحول عبدالناصر بعد إعلان تأميم قناة السويس وصموده أمام العدوان الثلاثي الى بطل قومي، ولذلك رأينا بأن تقوية العلاقة معه سيخدم قضيتنا القومية وتدعم علاقة الأخوة العربية الكردية، وعليه أستطيع القول بأنني كنت ومازلت من أنصار بناء علاقات أخوية ونضالية بين الشعبين الكردي والعربي.
* رغم هذه المشاعر الإنسانية منك، ولكن أغلبية القوى العربية و الدول العربية عموما لم تكن مواقفهم إيجابية تجاه المسألة الكردية ولحد اليوم، ألم تؤثر فيك هذه المواقف لتغير رأيك بتلك الأوساط العربية؟
– لا، فالدول العربية فيها أحزاب متعددة ولها مواقف وآراء وتوجهات مختلفة، ولكل مبادئها التي تختلف عن الآخر، فعلى سبيل المثال هناك أحزاب سنية في سوريا يغلب عليها الفكر الشوفيني التعصبي، ولكن وسط العلويين أقل شيوعا. وكذلك بين العرب المصريين يكاد يكون مثل هذا الفكر معدوما تماما، وبالطبع هناك بعض المواقف الشوفينية تبدر من بعض الأحزاب القومية العربية ضد الكرد، ولكن في الوقت عينه هناك مواقف مشرفة وداعمة للشعب الكردي وقضيته العادلة، فحين ذهبنا أنا و فؤاد عارف ضمن الوفد العراقي الى مصر وإلتقينا بالرئيس جمال عبدالناصر عام 1963 قال لنا “التوضيحات التي قدمها جلال طالباني حول الحكم الذاتي لكرد العراق أنا موافق عليها” وقال نفس الكلام في مقابلته مع جريدة (لوموند) الفرنسية.
ولو طالعت كتاب طالب شبيب سترى بأنه يشير الى “أن عبدالناصر قال لنا، أنتم الشباب العرب إقتدوا بجلال طالباني، فما رأيناه ولمسناه منه نريد أن نلمسه ونراه منكم أنتم الشباب العرب”. بمعنى أنه ضرب بي مثلا(1) وهكذا حين أصبح عبدالناصر زعيم العرب الأكبر لم يتردد في إستقبال الوفد الكردي وأبدى إستعداده لفتح مكتب كردي بالقاهرة وأعلن صراحة معارضته للحرب ضد الشعب الكردي.
هذه الأمور تدلل على أن العرب ومواقفهم ليست واحدة، فرجل عظيم مثل عبدالناصر كان ضد الحرب على الشعب الكردي ودعم الحكم الذاتي في العراق وحل القضية الكردية حلا سلميا عادلا. أضف الى ذلك أنه كانت هناك عدة أحزاب عربية أخرى تغيرت مواقفهم بعد لقائي بهم مثل حركة القوميين العرب التي كانت حركة كبيرة على الساحة العربية، وساهمت علاقاتي المتميزة مع عبدالإله النصراوي و هاني هندي و محسن إبراهيم و الدكتور أدريس أن تغير نظرتهم الى القضية الكردية و نحصل على دعم أحزابهم لنا.
على العموم كانت علاقتنا مع العرب جيدة ومفيدة لقضيتنا و لتوضيح أبعادها للجانب العربي و كسب تعاطفهم، و طبعا لايخلو أي طرف أو مجموعة حتى بيننا نحن من الآراء والمواقف المضادة، فلدينا جحوش مرتزقة هم من جلدتنا لكنهم حاربونا وقاتلونا.وأعتقد بأن التعاطف العربي مع قضيتنا ساهم في تقدم القضية الكردية بخطوات كبيرة نحو الأمام، وعليه فلست نادما للحظة عن علاقاتي ومواقفي تجاه العرب.
* أنت طوال حياتك السياسية كنت أحد الداعمين للقضية الفلسطينية، وفي السبعينيات كنت قريبا منهم وبالأخص مع الجبهة الشعبية، وعملت في صحافتهم و كنت عضوا في هيئة تحرير مجلة (الهدف)، بعد كل ذلك هل أنت راض عن موقف الفلسطينيين تجاه القضية الكردية؟
– يجب أن لا ننظر الى جميع الفصائل الفلسطينية بعين واحدة، نعم أنا كنت مقربا جدا من الجبهة الشعبية وكذلك مع الجبهة الديمقراطية وكانت مواقفهم إيجابية جدا تجاه قضيتنا بما فيها حقنا بتقرير المصير وعارضوا القتال ضدنا وأيدوا حقوقنا وحصولنا على حكم ذاتي حقيقي. على العموم لم تكن بين الفصائل الفلسطينية أعداء للقضية الكردية، حتى بين بعض قيادات حركة الفتح الفلسطينية كان لنا أصدقاء يؤيدون حركتنا وحقوقنا ويتعاطفون معنا للحصول على الحكم الذاتي بالعراق. رغم أن تلك العلاقات كانت تشهد في بعض الأحيان مدا أو جزرا بسبب العلاقة بينهم وبين الأنظمة العراقية، ولكن على العموم كانت مواقفهم إيجابية.
وأنا عملت مع الجبهة الشعبية لسنتين وكنت عضوا بهيئة تحرير (الهدف) وكل همي حينذاك هو أن أحصل على أكبر دعم من القوى الفلسطينية لصالح قضينا القومية المشروعة.