طربوش» سياسي وغضاريف اقتصادية!

حسن البطل

في مقدور محرّر سياسي في وكالة «وفا» الفلسطينية الرسمية أن يكتب، على طاولته «الطربوش» السياسي العربي بشأن راهن المسألة الفلسطينية الصادر عن «قمة» بيروت الرابعة: الاقتصادية، التنموية الاجتماعية!
محرّر آخر في وكالتي الأنباء الكويتية والقطرية، سيكتب عن مساهمة البلدين في صندوق التكنولوجيا والرقمنة، اذ سيساهم البلدان، مناصفة، بنصف الصندوق البالغة 200 مليون دولار.
ربما، محرر في وكالة الأنباء الوطنية اللبنانية، سيكتب عن قرار قمة بيروت في تسهيل عودة المليون ونصف المليون من اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وكذلك خطاب وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، عن ضرورة عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية.
ممّ تتشكل هذه الجامعة، التي اجتازت عمرها السبعين؟ من 22 دولة عربية، لكن الدول المؤسسة هي سبع دول، ثلاث منها أقصيت عنها لمدة محدودة، هي: مصر بسبب معاهدة «كامب ديفيد»، العراق بسبب احتلاله للكويت، وسورية بذريعة قمع النظام لشعبه.
هذه الدول الثلاث هي «سيبة» العروبة، وعنها قال بن ـ غوريون، منتصف خمسينيات القرن المنصرم: منعة إسرائيل ومستقبلها في تقويض هذه «السيبة»!
حتى قمة بيروت، عقدت دول الجامعة ما مجموعه 36 قمة (22 اعتيادية، 11 طارئة.. و3 اقتصادية) وستعقد القمة الرابعة العادية في نواكشوط.
نعرف أن القمة الأولى عقدت في أنشاص المصرية وكانت بشأن فلسطين. لعلّ جميع القمم العربية، على اختلاف إطارها واكبت، في بياناتها الختامية، تطور المسألة الفلسطينية، ربما باستثناء قمة عمّان، غير الاعتيادية، لعام 1987، حيث دعا رئيس وزراء العراق، وقتذاك، سعدون حمادي، إلى «عقد التنمية» العربية، وكان تجاهلها للمسألة الفلسطينية أحد أسباب اندلاع الانتفاضة الأولى.
بدءاً من قمة الكويت الاقتصادية، في كانون الثاني 2009، عقدت دول الجامعة قمة كل سنتين في ذلك الشهر، وستعقد قمة سياسية في تونس خلال آذار المقبل.
كانت دول الجامعة قد أصدرت، في وقت ما، «ميثاق الضمان الجماعي العربي»، وطبق مرتين: خلال مطلع ستينيات القرن المنصرم لحماية استقلال الكويت من مطامع العراق.. ونجحت، وفي منتصف سبعينيات ذلك القرن، عندما شكلت الجامعة قوات الأمن العربية لتهدئة الحرب الأهلية اللبنانية.. وفشلت.
هل لاحظتم بيانات الجامعة والقمم العربية، ودوراتها الاعتيادية، منذ فوضى «الربيع العربي» بخصوص سورية وليبيا واليمن، حيث يدير وسطاء أجانب مساعي التوفيق في نزاعاتها الداخلية، في حين تدعو أميركا وإسرائيل إلى «ناتو عربي» ضد إيران ووكلائها. العروبة «دار حرب»!
لعلّ جامعة إقليمية تشكلت قبل حلف «الناتو» وقبل أول مداميك اقتصادية أوروبية، أسفرت عن السوق المشتركة، ثم «الاتحاد الأوروبي» تبدو فاشلة على صعد: أمنية (ميثاق الضمان الجماعي) وسياسية (طموح نحو نوع من الاتحاد السياسي) واقتصادية (السوق العربية المشتركة).
جامعة تضم 22 دولة، وفيها ما لا يُحصى من العملات المتعددة (حتى لتجمع دول مجلس الخليج السداسية) ولكل دولة منها راياتها الوطنية، وجوازات سفرها الخاصة.. وخلافاتها مع جاراتها.
ما زلنا بعيدين عن حلم المواطن العربي في حرية الانتقال من بلد عربي إلى بلد عربي آخر، سواء بجواز سفره القطري، فما بالك بجواز مشترك، أو «فيزا شنجن» عربية!
حسناً، إلى الصعيد الاقتصادي، حيث التجارة البينية العربية لا تُقارن قياساً إلى التبادل التجاري الخارجي لكل قطر عربي. وبينما تستورد السعودية، مثلاً بما يجعلها السوق الأولى عالمياً من الأسلحة، فإن إعادة تسيير الخط الحديدي الحجازي، يبقى مشروعاً على الورق، بينما تخطط إسرائيل لتكون عقدة هذا المشروع حالياً؟
في كل حال، ستعقد القمة الاقتصادية والاجتماعية الخامسة العام 2023 في موريتانيا، وسنرى مدى التقدم في استراتيجية تنمية عربية للعام 2030 في مجال بناء وتنمية المجتمع العربي، حسب قرارات قمة بيروت، على أن نرى في قمة تونس العادية أين وصلنا في مسألة عودة سورية إلى الجامعة العربية، ومن ثم دور دول الخليج في إعمارها، وإعمار ليبيا واليمن.
في العام 1987 قدم سعدون حمادي مشروعاً لـ «عقد التنمية» العربية، ولم يتحقق منه سوى القليل جداً. قبل قمة بيروت طرحت السعودية برنامجاً شاملاً للعام 2030 لنهضتها الكبيرة في كل مجال، بينما تستنزفها حرب التدخل في اليمن، وخلافها مع العاصية قطر، ومضاعفات قضية الخاشقجي، وصفقات السلاح، أيضاً.. ووساوسها إزاء إيران.قمة بيروت طرحت استراتيجية للأعوام 2020 ـ 2030 سعياً لاندماج اقتصاديات الدول العربية، وخفض البطالة بنسبة النصف، وشؤون أخرى.
تستطيع ليبيا والعراق بمواردهما النفطية أن تعيدا بناء اقتصادهما، إذا انتهت نزاعاتهما الداخلية والخارجية.. لكن من سيموّل إعادة إعمار اليمن، وخاصة الخراب العميم في سورية؟
للتذكير فقط، فإن سورية كانت الدولة العربية الفريدة في توازن فروعها الاقتصادية، ولم تكن مديونة إلى الخارج، أو إلى الصناديق العالمية، وخرابها كان نتيجة لتدخل بعض دول الخليج في حروبها الداخلية.
بالمناسبة، غاب معظم القادة عن قمة بيروت، وحضرها أمير قطر؟! صاحبة معادلة: «المال لحماس والهدوء لإسرائيل»؟ كما يقول سفيرها محمد العمادي!

ينشر بالاتفاق مع جريدة الأيام الفلسطينية

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة