البصرة من التظاهرات العارمة الى فتح ابواب التغيير

وجهة نظر كردية
فريد اسسرد

اوصلت حركة الاحتجاج في البصرة رسالتها الى بغداد وهزت العراق كله. ومن الحق التنبيه الى ان الحركة بالغت في استعمال العنف، لكن الظرف يشي انه يصعب بقاء الحركة كمجرد حركة احتجاج عنيفة ساخطة ومتذمرة من المستوى المتدني للخدمات العامة. والتصور المفترض هو انه ستكون لاحداث البصرة تداعيات ونتائج عميقة يمكن ان تمهد لتغييرات مرتقبة.
والثابت هو ان اول وأكثر التداعيات تأثيرا هو احراج العبادي وكشف مساويء حكومته. يشير الواقع الى ان العبادي هو المسؤول الاول عما آل اليه وضع البصرة من سوء، ما أسفر عن اندلاع تظاهرات عنيفة. ان فشل العبادي في توفير الخدمات العامة هو الدافع الى ان يستولي اليأس والهياج على جماهير البصرة ويحضها على الثورة. فبعد استعادة الموصل وهزيمة داعش، قام العبادي بتسويق نفسه كقائد منتصر في الحرب وملأته الثقة العارمة بامكانية تحقيق انجازات اخرى، وبدت خطواته واثقة لضمان ولاية ثانية اعتمادا على شرعية الانتصار في الحرب. لكن الانتصار في الحرب على اهميته، ليس كافيا للتحول الى بطل قومي، ولو انه دعم انتصاره بانتصار اخر في ميدان الخدمات العامة لتحول فعلا الى بطل قومي على صعيد الحرب والخدمات. وفي الواقع فقد سفه الفشل في ميدان الخدمات انتصاراته العسكرية. وهو ما حث خصومه على استغلال تظاهرات البصرة كدليل على فشله. اقتنص هادي العامري الفرصة ودعا العبادي الى الاستقالة. وتبعه قيس الخزعلي امين عام عصائب اهل الحق زاعما ان علاقته مع العبادي اسوأ ما تكون وانها قد وصلت الى طريق مسدود. هو ايضا دعاه الى تقديم استقالته. اسوأ ما في الامر بالنسبة للعبادي ان تصدر الدعوة نفسها من حليفه مقتدى الصدر الذي انضم عامدا الى صف طويل من المطالبين باستقالته. وبالنسبة لرئيس وزراء حكومة تصريف اعمال، لا تعطي الدعوة الى الاستقالة اي معنى الا اذا فهم منها عدم الترشح لدورة اخرى.
تفصح التطورات على الارض ان حظوظ العبادي في ولاية ثانية قد تضاءلت كثيرا وباتت في مهب الريح، لدرجة ان داعميه الاميركان لم يعودوا يلحون على ضرورة توليه المنصب مرة اخرى. ومع تراجع حظوظ العبادي في ولاية ثانية، تراجعت معه حظوظ كل قادة حزب الدعوة في الوصول الى منصب رئاسة الوزراء. يعد هذا في حد ذاته تطورا مهما يمكن ان يدفع العراق الى قدر اكبر من الاستقرار وينقله الى مرحلة ضمور سلطة حزب الدعوة، المتحكم بدفة العراق منذ سقوط النظام السابق.
من جهة اخرى، يمكن ان تعطي تظاهرات البصرة دفعة قوية لمشروع تحويل البصرة الى اقليم، لا سيما وان مواطني البصرة باتوا اكثر استعدادا للتعامل مع مشروع تشكيل اقليم البصرة. واذا خطت البصرة نحو تشكيل الاقليم، فأن باب اقلمة المحافظات الاخرى سيفتح على مصراعيه. ولن يدهشنا ان نرى عدة محافظات شيعية، وكذلك سنية، خلال السنوات الاربع المقبلة وقد تحولت الى اقاليم.
جلي ان حركة الاحتجاج القائمة في البصرة ستكون عاملا مؤثرا على حث البصرة على استعادة دورها الريادي كأكبر ثالث مدينة في العراق وكمنتجة للنفط وكذلك بوصفها العاصمة الاقتصادية للعراق. تستطيع النخبة السياسية والمثقفة في البصرة ان تضمن للبصرة موقعا سياسيا اكبر في السياسة العراقية.
من المؤكد ان بصرة ما بعد الاحتجاجات لن تعود كما كانت وينتظر منها ان تتصرف كلاعب اكثر فعالية وديناميكية. يليق بالبصرة ان تتحول الى قطب فعال في العراق، لا سيما وانها اكثر علمانية من كل المدن العراقية الاخرى واكثرها اندماجا مع البيئات الخليجية، كما انها الوحيدة بين كل المدن العراقية التي ترتكز على ثقافة قارية- بحرية مشتركة.
لقد كانت البصرة على الدوام مختلفة عن بقية العراق. ففيها ظهرت المدارس الفلسفية للمعتزلة واخوان الصفا التي قدمت رؤى عقلانية للنصوص المقدسة. وكان للبصرة حتى في مجال النحو مدرستها الخاصة وهي المدرسة التي كانت على الدوام منافسة لمدرسة الكوفة في النحو.
وفي العهد العثماني احتفظت البصرة بخصوصيتها ولم تكن تابعة لبغداد، حتى انها كانت لها تجارتها الخاصة في القرن الثامن عشر مع كل من بريطانيا وفرنسا وهولندة. ومن البصرة قام العثمانيون بأدارة غرب الخليج، من الكويت حتى الاحساء. وعند قيام الدولة العراقية في بداية عشرينيات القرن الماضي، قدمت البصرة مرشحا للعرش العراقي هو طالب النقيب لكن البريطانيين رفضوه لانهم كانوا يريدون ملكا ضعيفا مطيعا خانعا، فابعدوا مرشح البصرة عن العراق ولم يسمحوا له بالعودة الى العراق الا في عام 1925.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة