لم يحدث في تاريخ العراق السياسي ان ورث حاكم عن حاكم قبله تركة ثقيلة مثلما تركه المالكي للعبادي.. لم يحدث هذا في تأريخ الوزارات بالتداول السلمي للسلطة في العهد الملكي حتى ثورة 19058 ، فقد شرع الزعيم عبد الكريم قاسم بالبناء، من دون ان تثقله تركة الباشا نوري السعيد والوصي عبد الآله، وحين اتى البعث في انقلاب 1963 الاسود ، وجد المنقلب عبد السلام عارف امامه تركة جيدة خالية من الهموم ، سوى هموم البعث نفسه ، الذي انقلب عليه فيما بعد ، ولم يثقل كاهل الاخ الوريث عبد الرحمن عارف تركة عبد السلام، وحين عاد البعث مرة اخرى الى السلطة عام 1968 بالقطار المشترك الانكلو- اميركي، لم يجد امامه الا تركته نفسه عام 1963 ، وعندما تناوب رؤساء مجلس الحكم رئاسة البلاد ، لم يكن شهر العسل كافيا لكل رئيس ان يفرخ او يرث للقادم الجديد مايستحق التطلع كثيرا الى الوراء..
فقد كان الجميع ينوؤن بثقل تركة مرحلة صدام التي كوّمها الاميركان فوق رؤوسهم من دون ان يعرفوا ماذا وكيف واين ، فالخيمة الاميركية أعمت الجميع، والتهى علاوي بالفلوجة فيما غرق الجعفري بالجثث المجهولة الهوية..
هذه التركات التي ورثها القائد عن القائد !
ولكن ماذا اورث المالكي منتهي الولاية لرفيق دربه في الدعوة المكلف حيدر العبادي؟
لا اظن ان احدا سيحسد العبادي الذي تحاصره مرحلة المالكي بكل ارثها ، حتى قبل ان ينجح في تشكيل وزارته العتيدة ويحظى بقبول برلماني واسع وان كان من داخل بيت التحالف الوطني ، خصوصا وانه مازال يتلقى النصائح من سلفه عبر التلفزيون كما لو كان خلفه في جزر الواق واق !!
انقسام اجتماعي حاد .. صراع طائفي ينذر بحرب اهلية .. دولة فاسدة .. وبلاد بلا خدمات .. وغابة من البنادق الداعشية والعشائرية والتطوعية.. وجيش مصدوم ..ومشهد سياسي غارق حتى اذنيه بالريبة والشك وانعدام الثقة ,, كتل سياسية خائفة من الماضي وهي تبحث عن ضمانات واوراق اعتماد وضامنين من الدرجة الاولى من الداخل والخارج، حتى لاتتكرر مسرحية السنوات الثماني الماضية .. فضلا عن سياسيين انتهازيين زئبقيين بامكانهم الافلات والتلون حسب الطلب !!
ارث ثقيل يحتاج الى قدرات قيادية استثنائية ، غير تقليدية، وشخصية بامكانها ان تتخذ القرارات الصعبة في زمن الانزلاق وضياع البلاد الى عمق التاريخ وتفتت الجغرافية في سايكس بيكو عراقية مصغرة !
لا احد يحسد العبادي ..
الرجل في دائرة مغناطيسة تتجاذبها الاقطاب ومعظمها قوية وفاعلة وقادرة على ان تضع العربة امام الحصان كما لو انه الوضع الطبيعي للسير الى الامام !!
تركة ثقيلة جدا، هي التي تركها رفيق الدرب المالكي ، تحتاج الى قائد ، من حظوظه انه مقبول وطنيا ومدعوم اقليما ومرحب به دوليا ، وهي فرصة ذهبية قد لاتتوفر لغيره في اللحظة الراهنة ، وما عليه الا ان يكون بمستوى هذه المهمة الشاقة والثقيلة..
تمنياتي له بالنجاح وان كان التمني رأسمال المفلس !!
لا أحد يحسد العبادي!
التعليقات مغلقة