طرق غير واضحة

غداة اجتياح عصابات داعش مدن العراق الغربية واقامة ما اسمته دولة العراق والشام الاسلامية كان شائعاً ومعروفاً بأن العراق انقذف الى مفترق طرق بين استئناف عملية التغيير واعادة البناء وبين الارتداد الى غابة تنقذف منها الخارطة الى سلة المهملات، ويتقدم فيها الطبل طوابير ابدية من النعوش.
وامس الاول تابعت جدالا بين مجموعة من كتاب وصحفيين، عراقيين واجانب، حول ما اذا العراق تعافى بتراجع تهديد مشروع داعش أم انه ما يزال في «مفترق طرق» بين التواصل كدولة أو هو مشرف على التفتت الى سلطنات، والحق ان لدى الفريقين معطيات ورؤى لا يستهان بها، الامر الذي دعاهما للترحيب بفكرة ان الايام المقبلة (او الشهور) ستجيب بنفسها عن ذلك السؤال المعلق: العراق في مفترق الطرق ام انه تجاوز المفترق.
ان مفترق الطرق، منطقة توازن حساسة وخطيرة لا تتحمل الخطأ أو العناد او المراهنة على الحظ. كل الاحتمالات واردة. في الاحوال العسكرية تبرز لذوي النظر نقاط مجابهة قد تندفع نحو مواقع سيادية (الحدود. انتاج النفط. التعايش الديني.) جنباً الى جنب مع آليات استيعاب النصر والهزيمة، وفي الصراع السياسي تتركز الازمة وتتفرع الى احتقانات ورائحة بارود في بيت الاكثرية (الكتلة الاكبر) فتتراجع هوامش التسويات الى ادنى مساحة لها، فيما تتأزم البيوت الاخرى وتتقاتل على الزعامات والنفوذ والمقامات.
السؤال الاستباقي هو: من الذي اوصل العراق الى هذا الحال؟ السؤال(في التحليل الموضوعي) مهم وإشكالي، وينطوي على محاسبات وقصاص، لكن قبل ذلك يلزم تأشير الخطايا والاخطاء الكثيرة التي ارتكبت ودفعت الملايين العراقية ثمنها الباهض من مواكب القتلى والنزوح والاحتراب والمجاعة والخوف. عندما وقف موسوليني في شرفته ورأى روما في مفترق طرق، وعلى شفير الهزيمة التفت الى الكاردينال شوستر يسترشد فيه الى الخطوة المقبلة، قال له الرجل الحكيم: “حان الوقت للاعتراف بخطاياك” ومما له مغزى ان طلب الاعتراف هذا جاء متأخرا، فقد كانت روما تعبر مفترق الطرق الى الهزيمة فالخراب.
ومن غير مبالغة فقد ادخلت المحاصصة الطائفية والاثنية العراق في ما يشبه سلسلة من افلام الرعب، الارهاب مرعب. انتشار الاسلحة والراجمات في الاحياء والشوارع مرعب. الفساد مرعب. التفجيرات مرعبة. الاختطافات مرعبة. الاحتقان الطائفي مرعب. الشخصانية السياسية مرعبة. تهديدات الجيران مرعبة. اسعار المواد المعيشية مرعبة. الثراء الفاحش مرعب. الفقر الجماعي مرعب. حتى بدا للمراقب بأن هناك صناعة رائجة للرعب يجري استعارة فنونها من عالم هيتشكوك باقل قدر من الاناقة الفنية والتشويق والدم البارد، وباكثر قدر من الانانية والوحشية وعدم المبالاة.
الستارة نزلت عن قبح المرحلة التي لا تريد ان تعبر مفترق الطرق..
-تصفيق
**********
ابو ذر الغفاري:
«لا حاجة لي في دنياكم»
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة