بسام جميل
«صحوت على صداع هائل يجتاح رأسي ويحيل كل ما فيه إلى خراب. الرابعة فجرًا ولا شيء حتى الآن!»
ترهل جسده وبانت عليه بعض العلامات الزرقاء، التي تبدو لمن يراها، أنها إثر إصابة حديثة. ربما كانت دلائل هزيمة تعرض لها على يد أحد قرائه الغاضبين. «لكني لا أتذكر أيا من هذا»، يقول لنفسه.
لم يعتد أن يستمر لأكثر من أسبوع في نظام نوم عادل! أن يشرب كأس حليب النعاس قبل منتصف الليل وأن يستحم بضياء الصباح قبل أن يبدأ جاره الموظف الحكومي بالسباب على زوجته التي نسيت أن تغسل له جاربيه اللذين يجلبان لخطواته الحظ في دائرته الحكومية!
تسع ساعات، اثنتا عشرة ساعة، ثلثا النهار أو الليل، لا فرق، فهو قادر على النوم بقدر ما يحتاج، دون أدنى عناء أو وصاية تعيد ترتيب فوضاه. وعادة الصحو أن يبحث في صفحات دماغه المتخيلة عن كل ما يمكن له أن ينجو به، ليسجل حضور الشهود والمتهمين في ملفات القضية.
أصبح محيط جسده يشبه براميل النفط، واكتنز وجهه بالفائض الذي لم يعد يطيق جلده أن يتمدد لأجله. أما شعر رأسه فقد سقط معظمه بعد أن صرفه كإبر صينية لعلاج البقع الزرقاء التي تكرر ظهورها بين الحين والآخر.
لا تهمه المرايا حقًا وهو غير معني برؤية الآخرين أيضًا. يجلس خلف حاسبه الآلي ليكتب ما جمعه من حكايات خلال نومه الطويل، ويرسل تلك النصوص إلى مواقع مختلفة على الشبكة. بعضها يتم نشره والبعض الآخر يسرقه أحدهم من على صفحته الشخصية في مواقع التواصل أو مدونته، ليعيد نشرها كنصوص سريالية أبدعها خياله الجامح، فيجمع من التصفيق الإلكتروني أكثر مما سيجمع هو في حياته من عملات إلكترونية!
بعد أن أصابه الأرق لعدة أيام وعجز تمامًا عن كتابة أي شيء، دفعه عجزه للاتصال بصديق قديم له، كان قد ادعى أنه لا يحلم أبدًا وأنه ينام بشكل طبيعي تمامًا. أراد أن يصل إليه ويعرف أكثر عن الأمر، فكيف بالإمكان لأي أحد أن ينام دون أن يحلم، أو يتذكر أضغاث أحلام.
عاجله صديقه القديم بحلم يتكرر لديه: «أريد أن أصبح وردة تصل ساقها إلى حدود شرفة الغرفة التي تشاركها حبيبتي مع زوجها»!
لم يكن لديه ما يؤرقه، قال لنفسه. ثم تابع: أصبح لديه ما يدفعه إلى هاويتي.. خذلان آخر. ما الذي تغير علي؟ الطعام ذاته والروتين ذاته. لا نساء ولا خمر ولا أبناء!
أشعل سيجارة فعاد إليه السعال الثقيل. تابع السحب منها حتى انتهت إلى حرق طرف إصبعه فرماها ورمى جسده مجددًا على السرير.
في صباح اليوم التالي، وصل بائع الحليب «النعاس» وطرق على بابه عدة مرات دون جدوى، فترك قارورة أمام بابه ومضى إلى زبائنه الآخرين.
كان دائمًا يشكو من رؤية القطط في أحلامه دون أن يستطيع فهم رمز وجودها ليشركها في نصوصه، ولم يكن يعلم أنها تأتي لباب بيته فتدفع القارورة أسفل الدرج وتمضي بها نحو مكان آخر لتستمتع بالنعاس اللذيذ.