الصباح الجديد – BBC:
حينما شاهدت “أفرا” ابنها “ألان” وهو يتخرج في جامعة كامبريدج الشهر الماضي، عادت بها الذكريات إلى لحظة ولادته.
حينها، قال أحد الجيران: “أنا في غاية الأسف لأن ابنك أعمى”. وباتت الأم في ذلك الوقت مثار حديث البلدة بسبب وضع ابنها.
كان ذلك في العراق عام 1995، ولم يكن قد مرّ على حرب الخليج سوى سنوات قليلة، وكان العراقيون يعانون بشدة جراء العقوبات المفروضة على البلد. وكطفل ضرير، فقد كانت التوقعات بشأن مستقبل “ألان هينيسي” متواضعة، لكن الآن، حين يتجول “ألان” في كليته بكامبريدج، يشعر بثقة كبيرة.
في العراق، كانت أسرة ألان من الطبقة المتوسطة، جده كان شيخا معروفا، وعاشوا حياة بها كثير من وسائل الراحة، بل كانت حياة مترفة، لكن المستشفيات العراقية لم تكن في استطاعتها منح الطفل أي أمل، يقول ألان: “حاول والدي علاجي، لكن لم يكن هناك عدد كاف من أطباء العيون الاختصاصيين، وظنوا أنني سأظل أعمى طول حياتي”. لكن عندما بلغ “ألان” ستة أشهر من العمر، سنحت لوالده فرصة كبيرة: “اضطر والدي إلى بيع كثير من ممتلكاته لدفع تكاليف العلاج، لقد تركنا العراق، ولم نكن نملك سوى القليل”. وكانت الفرصة هي إجراء عملية جراحية في لندن، وبالفعل نجحت العملية في استعادة جزء من الرؤية بالعين اليسرى.
ويواصل “ألان” قائلا: “اتذكر أمي أول مرة نظرت إليها، كانت المرة الأولى التي تلتقي فيها عينانا. حينها، انفجرت أمي في البكاء.”
وبعد ذلك طلبت والدة “ألان” وأشقاؤه اللجوء السياسي في لندن، لكنهم كمهاجرين واجهوا تحديات جمة. يقول ألان: “عاشت الأسرة حياة سعيدة في العراق، لكن حينما تغيرت الظروف، اضطر أفراد الأسرة إلى العيش كلاجئين. لم يكونوا قادرين على التحدث بالإنجليزية. وكنا نعيش في مساكن حكومية في لندن، لقد أصيبوا بصدمة ثقافية حقيقية”.
ويتابع “ألان”: “لقد عشت حياتي وأنا لا أفكر في أنني ضعيف البصر. أحببت ركوب دراجتي، وعندما كنا نذهب إلى الملاهي، كنت دائما أرغب في قيادة سيارات التصادم”.
ومثل كثير من الأطفال، لم يكن “ألان” ملاكا في المدرسة: “كنت ضمن الأقل تحصيلا في كل شيء، واعتدت على التغيب من المدرسة، وكنت ألقي البيض على الحافلات، وهي تصرفات يفعلها المراهقون”. لكن في النهاية، أدرك “ألان” امكانيته بتحقيق الأفضل.
يقول “ألان”: “بعد مرحلة الثانوية، دبت داخلي طاقة جديدة، وأدركت أن التلاميذ المتفوقين لم يكونوا أذكى مني”. وفي عام 2012، تقدم للالتحاق بكلية القانون في جامعة كامبريدج. وأصبح واحدا من بين سبعة أشخاص من ضعفاء البصر، يجرى قبولهم في ذلك العام، وأول شخص في عائلته يلتحق بالجامعة: “خلال حياتي كلها كنت أسمع: لا تستطيع، ولا ينبغي عليك، ولن تكون مضطرا. تلك الصورة النمطية للمعوق القاتمة، والتي تدفع للعجز، وكان أكبر تحد في حياتي هو التغلب على هذا”.
قضى “ألان” ثلاثة أعوام في كلية فيتزويليام، ويقول إنها كانت مرحلة تحول كبير: قابلت أفضل الناس من جميع أنحاء العالم. لكن كانت هناك تعليقات سلبية كثيرة موجهة ضدي”. ويتابع: ” لو بقيت في العراق، لم أكن لأحصل على درجة القانون من كامبريدج، ولن يعرفني أحد، فقد تعرض أفراد من عائلتي هناك لأحداث صادمة ومروعة، من بينها الوقوع في الأسر لدى تنظيم الدولة الإسلامية، وربما ما كنت حيا الان”.
بعد التخرج في الجامعة هذا الصيف، بدأ “ألان” منحة دراسية في كلية القانون. ويقول: “إذا حصلت على الدرجة الأولى في القانون من جامعة كامبرديدج، فسيكون ذلك مفيدا طوال حياتك. لكن، إذا كنت أعمى ومهاجرا مسلما تعيش في لندن حاليا، فيتعين عليك إنجاز الكثير من الأشياء. الرحلة قد بدأت للتو”.
لاجئ عراقي ضرير يتخرج من جامعة كامبريدج البريطانية
التعليقات مغلقة