حذام يوسف
في كل محفل ومناسبة، يذكر اسم الفيلسوف غرامشي، ورؤيته للمثقف ومفهوم الثقافة، ومع ان عدداً غير قليل من مثقفينا يستشهدون به عندما يكون الحديث عن الثقافة، الا ان الكثير منهم يردد ما قاله غرامشي، مجرد ترديد من دون وعي بجوهر ما يطرحه هذا الفيلسوف من مفاهيم تبني المثقف والمجتمع، فهو يؤكد ان الخصائص الجوهرية للمثقف هو نشاطه الذهني، او ان ما يميز المثقف هو نشاطه الاجتماعي، وعلى وفق هذا المفهوم للمثقف، فإننا نجد اليوم ان نسبة قليلة منهم يدخلون ضمن هذا التوصيف، وسيكون الناس جميعهم مثقفين مادام كل نشاط ذهني هو ثقافة، كما انه يشير الى ان الوظيفة الاجتماعية هي التي تميز المثقفين من غير المثقفين، إذن الموضوع ليس له علاقة بما يطرح بالندوات والمحاضرات التي ازدحمت بها قاعات المؤسسات الثقافية، فالموضوع ليس بلاغة في اللغة، ولا كم المصطلحات التي يرددها الشخص، بل هو عمله الاجتماعي في توعية المجتمع، وكقيادي ينهض بالمجتمع الى مستوى الخلاص من سيطرة الدولة، وليس الخروج عن القانون، بل عدم السماح للدولة بالسيطرة على مقدرات الشعب، وتبديد ثرواته، وحرمانه من حقه في حياة حرة كريمة، وهذا ما يحصل اليوم في العراق من فوضى ليس لها نهاية على ما يبدو، والمثقف مازال يلعب دور المتفرج، الا قلة قليلة منهم من خرج من دائرة المنصات ليقف بالساحات .
مؤخرًا بدأت محاولات من قبل بعض الكتاب والاعلاميين، للوقوف مع عامة الشعب، والمطالبة بحق الاغلبية التي عانت ومازالت من أجهزة الدولة وسيطرتها على مقدراته بنحو مستفز، لاسيما ما نسمع عنه وما نلمسه اليوم، من تجاوز على حق المواطن، في استثمار ثروات بلده التي بددها القائمون على السلطة، بنحو بعيد تماماً عن المسؤولية والقيادة والامانة.
المثقف اليوم وبرغم محاولاته مازال يراوح في منطقة الـ ( أنا )، فحتى في ساحات التظاهر والاعتصامات، هناك مزايدة على من يقف في الصفوف الاولى، او من توجه عليه الكاميرات، ليكون في مقدمة الحشود، ليس إكراماً لمطالبهم وإيمانه بها، بل حباً بذاته، السلطة اليوم في العراق دخلت مرحلة من الانفلات سواء في تشريع القوانين التي تتلاءم مع مصالحهم، او في ابعاد وتأجيل قوانين تخدم المصلحة العامة للعراقيين، ومع ان عمر الدولة العراقية ليس قصيراً، لكن الحياة الاجتماعية لم تتقدم خطوة الى الامام، باستثناء فترة الستينيات والسبعينيات، إذ كان الفكر اليساري هو المحرك للشارع العراقي، حين كان المثقف لا يسعى لسلطة او منصب، بل كان جل همه هو خدمة المواطن، وكانوا يطبقون ما يدعو له غرامشي واقعًا في أن يكون العمل الاجتماعي هو الفاصل الاول ما بين المثقف، وغير المثقف، اليوم لا نحتاج الى تنظير ومحاضرات مكررة ومنسوخة من جلسة الى جلسة أخرى، بل نحتاج الى فعل حقيقي قريب من الناس، ومن موقع الأحداث.