عامر القيسي
لاتصح المقارنة بين فرنسا والعراق بقضايا الفساد المالي والشفافية والنزاهة ، لكننا من باب التمازج الحضاري وتلاقح الحضارات والتعلم من الصغر ، ليس عيبا ان نتعلم من الفرنسيين طرق مكافحتهم للفساد المالي والشفافية العالية المستوى للتخلص من آفة يسمونها الوجه الآخر للارهاب ، وهي الفساد المالي والاداري…
صباح الثلاثاء الماضي وجد رئيس الوزراء الفرنسي الاسبق نيكولا ساركوزي نفسه موقوفا على ذمة التحقيق في قضية استغلال نفوذ، في اجراء غير مسبوق بالنسبة لرئيس فرنسي سابق في الجمهورية الخامسة.
وحصل هذا التطور القضائي في وقت كان الجميع ينتظر اعلان عودة ساركوزي الى العمل السياسي حيث سيحاول استعادة رئاسة حزبه “الاتحاد من اجل حركة شعبية الذي يتخبط في ازمة غير مسبوقة نتيجة فضيحة فواتير مزورة.
لن ندخل في السياسة الفرنسية لكن الاكيد …
سيكون بوسع محققي فرقة مكافحة الفساد في الشرطة القضائية الاستماع لساركوزي التثبت مما اذا كان الرئيس السابق سعى بدعم حكومي الحصول على معلومات من قاض كبير حول تحقيق بالفساد المالي يطاله لقاء وعد بمنحه منصبا مرموقا، وهناك قضية اخرى تتعلق بالتنصت غير القانوني، وستقع على رأس الرجل اتهامات بتلقي تمويل من نظام الزعيم الليبي السابق معمر القذافي لحملته الانتخابية التي قادت الى فوزه بالرئاسة عام 2007.
واذا كانت فرنسا بعيدة نسبيا في الزمن والجغرافيا فان اسرائيل الصهيونية حكمت في يونيو من هذا العام على رئيس وزرائها الاسبق إيهود أولمرت بالسجن 6 سنوات بقضية فساد، والمفارقة ان يوم الحكم صادف الثلاثاء ايضا، ولم تكتف المحكمة بالسجن بل انها غرمته مليون شيكل (289 ألف دولار) ومصادرة أملاك شخصية له.
ولم يستطع اولمرت الافلات من القضاء الاسرائيلي برغم ان تهمته تعود الى عام 1993وكانت المحكمة قد أدانته بتلقي رشوة بقيمة 560 ألف شيكل في قضية مشروع “هولي لاند العقاري، عندما كان رئيسا لبلدية القدس .
ويواجه أولمرت اتهامات اخرى بالاحتيال وخيانة الأمانة وتسجيل كاذب في وثائق شركة، إضافة إلى إخفاء إيرادات مالية والاحتيال على مراقب الدولة.وتعود هذه الاتهامات إلى المدة التي قضاها رئيسا للبلدية ووزيرا للصناعة والتجارة قبل أن يصبح رئيسا للوزراء عام 2006.
ودفعت هذه الاتهامات أولمرت إلى الاستقالة السنة الماضية من رئاسة حزب كاديما ومن رئاسة الحكومة مفسحا المجال لانتخابات مبكرة حملت وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني إلى زعامة كاديما وزعيم حزب الليكود اليميني بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الوزراء.
الفساد هو الفساد .. والسرقة هي السرقة .. والاحتيال هو الاحتيال.. سواء كان فرنسيا او اميركيا اواسرائيليا او عراقيا ، لكن الاختلاف في اساليب وطرق معالجته ابتداءا من هيئات المراقبة وانتهاءا بسوح القضاءالجريء والعادل والمحمي..
كل اشكال الاتهامات للرجلين متوفرة لدينا وبالجملة ـ بل واسوأ منها ، وبالنسبة للمبالغ المالية ، بامكان اعتبار فساد ساركوزي الفرنسي واولمرت الاسرائيلي “لعب جهال” أوتسلية بريئة !!
لكن الفرق في كيفية المعالجةـ فالناس ليس لديهم خطوط حمر كما توجد لدينا بالجملة ، ولا يوجد لديهم مسؤول كبير يهدد بملفات فساد وارهاب من دون ان يعلنها، لانهم سيسوقونه الى سوح القضاء بتهمة المشاركة في الجريمة .
وفي اميركا البعيدة جلس رئيس اقوى دولة في العالم “بيل كلنتون” أمام عريف شرطة ليحقق معه في قضية تحرش جنسي ، في واحدة من اشهر قضايا التحرشات الجنسية في العالم ..
الفساد عادة ما يكون في الرأس فيما تبحث هيئة النزاهة لدينا، مع احترامنا لكل جهودها، في اسفل طبقات الفساد لتقدمهم اكباش فداء لاناس وشخصيات ومسؤولين اغرقوا البلاد بالفساد كما اغرقوها بالدم ..!!